تم له الأمر يوم وفاة والده وعمره اثنا عشر عاماً وهو آخر ملوك هاته الدولة، وكانوا كلهم أهل نجدة وشجاعة وإحسان ومعروف. وكان فصيحاً عاقلاً حازماً لا يتزحزح لعظائم الأمور ولا يتضعضع لنوائب الدهور شجاع القلب كريم النفس ينظم الشعر، وفي سنة 517 هـ قصد صاحب صقلية المهدية في أسطول عظيم وجنود جرارة ولما وصل المهدية هاج البحر على هذا الأسطول فدمر أكثره وألحق الضرر بالباقي فقتل المسلمون الكثير من رجاله وغنموا غنائم كثيرة وانعقد عقب ذلك صلح واستولى الطاغية على جربة وصفاقس وقرقنة وطرابلس. وفي سنة 543 هـ خرج بأسطول عظيم ودهم به المهدية على حين غفلة من أهلها فخرج الحسن منها بما خف وفجأ الناس من بلاء هذا الطاغية ما لم يكن له حساب، ولما دخل المهدية وجدها خالية فاستولى عليها من غير تعب وقتال واستولى على ذخائر الحسن، وأمن الناس وعمرها أحسن عمران ثم استولى على سوسة وصفاقس ودانت له البلاد، وأما الحسن فإنه بعد خبر طويل وصل للخليفة عبد المؤمن بن علي مستجيراً به فأكرمه وأحسن منزله، وأجاب مطالبه واستعد لذلك ثلاث سنين وتوجه لها بنفسه في صفر سنة 554 هـ، وبين يديه الحسن المذكور بعسكره الجرار وجيشه العرمرم يقال إنه لما وصل باجة عرض العساكر فكانت الفرسان أزيد من مائة ألف والرجال لا تحصى وهي تمر بالطريق الضيقة في المزارع فلا يضرها شيء وهذه المحلة تمتد أميالاً وكلهم يصلون الصلوات الخمس بإمام واحد وتكبيرة واحدة ولا يتخلف أحد منهم عن الصلاة لأنه كان يقتل من يتأخر منهم وكانت مقدمة هذا الجيش اثني عشر ألف مقاتل قد كلفوا بحفر الآبار واستخراج المياه وتمهيد الطريق وتهيئة ذلك للجيش ولولا هذا التدبير لم يقدر على هاته الأسفار البعيدة بهاته الجيوش العظيمة فنازل تونس وأخذها صلحاً وكانت بيد أحمد بن خرسان واستخلف على تونس أبا محمَّد عبد السلام الكومي ورتب معه أشياخاً من الموحدين ثم رحل للمهدية والأسطول يحاذيه في البحر فوصل إليها منتصف رجب وكان بالمهدية ملوك الفرنج وأبطال الفرسان فحاصرها بما انضاف إليه من أهل البلاد بما يخرج عن الإحصاء وفي مدة الحصار فتح طرابلس ونفوسة وقابس وثغور إفريقية وما والاها وأقام في حصارها ستة أشهر إلى أن فتحها بكرة عاشوراء سنة 555 هـ ولذا يقال لها سنة الأخماس، ودانت له البلاد بالطاعة واستخلف عليها أبا عبد الله محمَّد الكومي وجعل معه الحسن وأمره أن يقتدي برأيه وأقطع الحسن جانباً منها وارتحل ولبثت إفريقية في أمن ودعة واطمئنان بقية أيامه وصدراً من أيام بنيه ومدحه الشعراء على هذا الفتح منهم أبو محمَّد عبد الله بن أبي العباس التيفاشي بقصيدة أولها:
ما هزّ عطفيه بين البيض والأسل ... مثل الخليفة عبد المؤمن بن علي