الطبقة الثامنة

لما رحل المعز استخلف على المغرب بُلُكين يقال له يوسف بن زيري بن مناد الصنهاجي ويوسف هذا أسس مدائن بالمغرب الأوسط منها مليانة والجزائر وقام بأمر النيابة أحسن قيام ورتب العمال وكان حسن السيرة جميل الخصال مع صيت طائر وكفاءة معروفة، وقصد المغرب بجيوش جرارة واستولى على فاس وسجلماسة وغيرها وشتت جموع زناتة واتسع نطاق ملكه ولم يزل على طاعة مستخلفه إلى أن توفي سنة 372 هـ وبويع لابنه أبي الفتوح منصور بن يوسف وكان جواداً كريماً شجاعاً صارماً وكانت أيامه حسنة والظفر حليفه وكانت بينه وبين أعمامه حروب وتوفي سنة 386 هـ وبويع لابنه أبي مناد باديس بن منصور وكانت ل حروب مع عمه حماد وغيره كان النصر فيها لباديس وعقب انتصاره مات باديس فجأة في ذي القعدة سنة 406 هـ وأسس حماد المذكور دولة في المغرب الأوسط قاعدتها قلعة حماد وصارت لبنيه ومن يومئذ انقسمت الدولة وطرقها الخلل وهؤلاء الأمراء الذين هم في الحقيقة عمال لبني عبيد بلغوا درجة الملوك في الضخامة وبعد الصيت والسلطان. ولأبي إسحاق إبراهيم بن قاسم المعروف الرقيق القيرواني تأليف في أخبار باديس وأبيه وجده كان بين باديس وأبي محفوظ محرز بن خلف تراسل وكذلك بينه وبين ابنه المعز الآتي ذكر بعضها في خاتمة الخاتمة الآتي ذكرها.

تنبيه: قد علمت مما تقدم ما كان عليه ملوك بني الأغلب ومن قبلهم من المحافظة على الدين وعلى ما وقع فتحه والاشتغال بجمع العساكر والفتوحات وتمهيد الراحة وجاء بعدهم الفاطميون بنو عبيد وكان اشتغالهم بالحروب وبث الدعوة في الأفكار والزيادة في المملكة وعمالهم ملوك صنهاجة مثلهم. وقانون الملك الإِسلامي هو القرآن العظيم وأقوال رسوله الكريم عليه أفضل الصلاة والتسليم، وكان لهم وللمعز الآتي ذكره إلى آخر دولته التفات واهتمام بأهل العلم والأدباء بالصلات المتوالية ومجالستهم مع التعظيم والإجلال والتكريم ومكاتبتهم، فقد كان باديس يكاتب أبا محفوظ محرز وكذلك ابنه المعز وكان يبعث المال والكتب للعماء وقد سبقت الإشارة إلى ذلك في ترجمة أبي بكر عتيق السوسي، وفي مدتهم كان سوف العلم نافقاً بالغاً الغاية والعلماء الفحول والأدباء والحكماء والمهندسون كثيرون جداً، كان أبو الطيب ابن بنت خلدون من علماء الحساب والهندسة دبر سوق خليج من ساحل البحر إلى القيروان والحكاية مشروحة في المقصد عند التعرض لترجمته، وكان للعلماء يد وإعانة في سياسة الملك من ذلك

طور بواسطة نورين ميديا © 2015