الناس وكما جاز الجرح في الشهود جاز في الرواة والتثبت في أمر الدين أولى من التثبت في الحقوق والأموال فلهذا افترضوا على أنفسهم الكلام في ذلك وقد تكلم في الرجال خلق لا يتهيأ حصرهم وقد سرد ابن عدي المتوفى سنة 365 هـ في مقدمة كتابه الكامل جماعة إلى زمنه فمن الصحابة ابن عباس وعبادة بن الصامت وأنس. ومن التابعين الشعبي وابن سيرين وسعيد بن المسيب وهم قليل بالنسبة لمن بعدهم وذلك لقلة الضعف فيمن يروون عنهم إذ أكثرهم صحابة وهم عدول وغير الصحابة منهم أكثرهم ثقات إذ لا يكاد يوجد في القرن الأول من الضعفاء إلا القليل وأما القرن الثاني فقد كان في أوائله من أواسط التابعين جماعة من الضعفاء وضعف أكثرهم نشأ غالباً من قبل تحملهم وضبطهم للحديث فكانوا يرسلون كثيراً ويرفعون الموقوف وكانت لهم أغلاط وذلك مثل أبي هارون العبدري ولما كان عصر التابعين وهو حدود الخمسين ومائة تكلم في التعديل والتجريح طائفة من الأئمة فضعف الأعمش جماعة ووثق آخرين ونظر في الرجال شعبة وكان متثبتاً لا يكاد يروي إلا عن ثقة ومثله مالك وممن كان في هذا العصر إذا قال قبل قوله معمر وهشام الدستوائي والأوزاعي وسفيان الثوري وابن الماجشون وحماد بن سلمة والليث بن سعد المتوفى سنة 175 هـ وبعد هؤلاء طبقة منهم ابن المبارك وهشيم بن بشير وأبو إسحاق الفزاري والمعافى بن عمران الموصلي وبشر بن المفضل وابن عيينة وقد كان في زمنهم طبقة أخرى منهم ابن علية وابن وهب ووكيع بن الجراح وقد انتدب في ذلك الزمان لنقد الرجال الحافظان الحجتان سعيد القطان وعبد الرحمن بن مهدي وكان للناس وثوق بهما فصار من وثقاه مقبولاً ومن جرحاه مجروحاً ومن اختلفا فيه وذلك قليل رجع الناس فيه إلى ما ترجح عندهم ثم ظهرت بعدهم طبقة أخرى يرجع إليهم في ذلك منهم يزيد بن هارون وأبو داود الطيالسي وعبد الرزاق بن همام وأبو عاصم الضحاك النبيل بن مخلد.
ثم صنفت الكتب في الجرح والتعديل والعلل وبينت فيها أحوال الرواة وكان رؤساء الجرح والتعديل في ذلك الوقت جماعة منهم يحيى بن معين ومن طبقته أحمد بن حنبل وقد تكلم في هذا الأمر محمَّد بن سعد كاتب الواقدي في طبقاته وأبو خيثمة زهير بن حرب وأبو جعفر عبد الله بن محمَّد النبيل حافظ الجزيرة الذي قال فيه أبو داود: لم أرَ أحفظ منه وعلي بن المديني وله التصانيف الكثيرة في العلل والرجال ومحمد بن عبد الله بن نمير الذي قال فيه أحمد هو درة العراق وأبو بكر بن أبي شيبة صاحب المسند وعبد الله بن عمر القواريري وإسحاق بن راهويه إمام خراسان وأبو جعفر محمَّد بن عبد الله بن عمار الموصلي الحافظ وأحمد بن صالح