وأخرج الحاكم في علوم الحديث بسند صحيح عن الإِمام أحمد إن لم يكونوا أهل
الحديث فلا أدري من هم. ومن طريق يزيد بن هارون مثله. وقال الكرماني يؤخذ
من الاستقامة المذكورة في حديث معاوية أن من جملة الاستقامة أن يكون التفقه لأنه
الأصل وبهذا ترتبط الأخبار المذكورة.
وحديث معاوية اشتمل على ثلاثة أحكام:
أحدها: فضل التفقه في الدين.
وثانيها: أن المعطي في الحقيقة هو الله.
وثالثها: أن بعض أهل هذه الأمة يبقى على الحق أبداً والمراد بأمر الله هنا الريح التي تقبض روح كل من في قلبه شيء من الإيمان وتبقي شرار الناس فعليهم تقوم الساعة ويفقهه أي يفهمه وهي ساكنة الهاء لأنها جواب الشرط يقال: فقه بالضم إذا صار الفقه له سجية وفقه بالفتح إذا سبق غيره إلى الفهم وفقه بالكسر إذا فهم ونكر خيراً ليشمل القليل والكثير والتنكير للتعظيم لأن المقام يقتضيه ومفهوم الحديث أن من لم يتفقه في الدين أي يتعلم قواعد الإِسلام وما يتصل بها من الفروع فقد حرم الخير وفي ذلك بيان ظاهر لفضل العلماء على سائر الناس ولفضل التفقه في الدين على سائر العلوم وفي الحديث أن التفقه لا يكون بالاكتساب فقط بل لمن يفتح الله عليه به وأن من يفتح الله عليه بذلك لا يزال جنسه موجوداً حتى يأتي أمر الله وقد جزم البخاري بأن المراد بهم أهل العلم بالآثار وقال أحمد: إن لم يكونوا أهل الحديث فلا أدري من هم. وقال القاضي عياض: أراد أحمد أهل السنة وظاهرون أي على من خالفهم أي غالبون وقوله: ولن يزال أمر هذه الأمة مستقيماً حتى تقوم الساعة أو حتى يأتي أمر الله في رواية عمير بن هانئ لا تزال طائفة من أمتي قائمة بأمر الله وزاد قال عمير قال مالك بن يخامر قال معاذ وهم بالشام وفي رواية يزيد بن الأصم ولا تزال عصابة من المسلمين ظاهرين على من ناوأهم إلى يوم القيامة. قال صاحب المشارق في قوله: لا يزال أهل الغرب يعني الرواية التي في بعض طرق مسلم وهي بفتح الغين المعجمة وسكون الراء، ذكر يعقوب بن شيبة عن علي بن المديني قال: المراد بالغرب الدلو أي العرب بفتح المهملتين لأنهم أصحابها لا يسقي بها أحد غيرهم لكن في حديث معاذ وهم أهل الشام فالظاهر أن المراد بالغرب البلد لأن الشام غربي الحجاز، كذا قال؛ وليس بواضح، ووقع