ولنقتصر على ما ذكرنا من فوائد علم التاريخ المعقولة المقصودة بالنصوص المنقولة والله ولي التوفيق.
اعلم أن علم الجغرافية مرتبط بعلم التاريخ ارتباطاً وثيقاً ويتعلق به تعلقاً عريقاً. قال بعض العلماء: اعلم أن بين فني التاريخ والجغرافية ارتباطاً قوياً وتعلقاً شديداً، فهما أخوان يتعاونان وفرسا رهان يتسابقان لا يستغنى بأحدهما عن الآخر. ولذا قال بعضهم: إن التاريخ له عينان يبصر بإحداهما معرفة الزمان وبالأخرى معرفة البلدان والحق كذلك فإنه لا تتم حوادث الأزمنة من غير وقوف على ما وقعت فيه من الأمكنة. على أن التجارة والصناعة اللتين بهما أساس لثروة الأمم وقوتها وتمدنها وحضارتها يرتبطان بفن الجغرافية ارتباطاً تاماً بحيث لا يمكن الحصول عليهما بدونه إذ به تعرف المحال التي تستخرج منها المواد الصالحة للصناعة والجهات التي يلزم توزيع التجارة فيها وإلا فلا ثمرة لها، وحينئذ فلا شيء أنفع للإنسان من معرفته إذ هو يعرّفنا حقيقة الأرض التي نحن ساكنوها، والدنيا التي نحن آهلوها. ومن العار أن يجهل الإنسان زوايا داره، ولا يعرف كل ساكن بجواره. فإذا كنت مالكاً لقطعة أرض مثلاً أفلا يلزمك أن تجتهد في معرفة ما تشتمل عليه من ينابيع وغدران ومستنقعات وغير ذلك ثم تبحث عن الطريقة الموصلة لاستخراج ما فيها من المنافع بأن تنظر فيها بما يناسب طبيعة القطعة من النباتات التي يمكن زرعها فيها والحيوانات التي يمكن استعمالها لحرثها لتعود عليك بالمحصول الجيد الوافر. ولذا وقع تعريفه بقولهم (هو علم يُعرف به سطح الأرض وما عليه من أنهار وبحار وجبال ومدن وسكان وحكومات ودول وما شاكل ذلك) قيل: وضع قدماء المصريين وقيل غيرهم.
وجغرافية كلمة يونانية الأصل مركبة من كلمتين وهما وصف الأرض ويسمى عند العرب علم تقويم البلدان وينقسم إلى ستة أقسام:
أولاً: الجغرافية الطبيعية يبحث فيها عن وصف سطح الأرض على ما هي عليه من أصل خلقة الباري جل وعلا كالتكلم على الجبال والأنهار والبحار وغير ذلك.
ثانياً: الجغرافية السياسية ويبحث فيها عن وصف ما على هذا السطح من السكان والدول والحكومات وما أشبه ذلك.