الرد على الشبهة:
أخذوها من فهمهم الخاطئ فى مفتتح سورة " الفتح ": (ليغفر لك الله ما تقدم من ذنبك وما تأخر ويتم نعمته عليك ويهديك صراطًا مستقيمًا) (?) . فقالوا: كتاب محمد يعترف عليه ويصفه بأنه مذنب!!
وسيرة محمد سيد الخلق وخاتم الأنبياء صلى الله عليه وسلم كتاب كبير مفتوح استوفى فيه كُتَّاب سيرته كل شىء فى حياته. فى صحوه ونومه وفى حربه وسلمه، وفى عبادته وصلواته، فى حياته مع الناس بل وفى حياته بين أهله فى بيته.
ليس هذا فحسب بل إن صحابته حين كانوا يروون عنه حديثًا أو يذكرون له عملاً يصفونه صلى الله عليه وسلم وصفًا بالغ الدقة وبالغ التحديد لكافة التفاصيل حتى ليقول أحدهم: قال صلى الله عليه وسلم كذا وكان متكئاً فجلس، أو قال كذا وقد امتلأ وجهه بالسرور وهذا ما يمكن وصفه بلغة عصرنا: إنه تسجيل دقيق لحياته صلى الله عليه وسلم بالصوت والصورة..
ثم جاء القرآن الكريم فسجل له شمائله الكريمة فقال عنه: إنه الرحمة المهداة إلى عباد الله: (وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين) (?) . ووصفه بأنه الرؤوف الرحيم بمن أرسل إليهم: (لقد جاءكم رسول من أنفسكم عزيز عليه ما عنتم حريص عليكم بالمؤمنين رؤوف رحيم) (?) . ثم لخص القرآن مجمل شمائله صلى الله عليه وسلم فى قوله: (وإنك لعلى خلق عظيم) (?) .
أكثر من هذا أن تكفل القرآن بإذاعة حتى ما هو من خلجات الرسول وحديث نفسه الذى بينه وبين الله مما لا يطلع الناس عليه على نحو ما جاء فى سورة الأحزاب فى أمر الزواج بزينب بنت جحش والذى كان القصد التشريعى فيه إبطال عادة التبنى من قوله تعالى: (وتخفى فى نفسك ما الله مبديه وتخشى الناس والله أحق أن تخشاه فلما قضى زيد منها وطرا زوجناكها لكى لا يكون على المؤمنين حرج فى أزواج أدعيائهم إذ قضوا منهن وطرًا وكان أمر الله مفعولاً) (?) .
أقول: مع أن سيرة محمد صلى الله عليه وسلم هى كتاب مفتوح لم يخف التاريخ منه شيئاً بل وتدخل القرآن ليكشف حتى ما يحدث به نفسه صلى الله عليه وسلم مما لا يطلع عليه الناس، ولم يذكر له صلى الله عليه وسلم ذلةً ولا ذنبًا فى قول أو عمل.
أفبعد هذا لا يتورع ظالموه من أن يقولوا أنه " مذنب "؟ !!!
ولو كان هؤلاء الظالمون لمحمد صلى الله عليه وسلم على شىء من سلامة النظر وصفاء القلوب لانتبهوا إلى بقية سورة الفتح، والتى كانت كلها تثبيتاً للمؤمنين وللرسول وتبشيرًا لهم بالتأييد والنصر.. لو كان محمد صلى الله عليه وسلم - كما ادعيتم - من المذنبين والعاصين لكان من المستحيل أن يجعله الله تعالى ممن يؤيدهم بنوره ويتم عليهم نعمته ويهديهم صراطًا مستقيماً؛ لأن النصر يكون للصالحين لا للمذنبين.
ونقف أمام الذنب فى منطوق الآية: (ليغفر لك الله ما تقدم من ذنبك وما تأخر (فالذنب هنا ليس مما تعارف عليه الناس من الخطأ والآثام؛ لأن سنة الله تبارك وتعالى هى عصمة جميع أنبيائه وفى قمتهم خاتمهم صلى الله عليه وسلم. وهذا مما يعرفه ويقره ويقرره أتباع كل الرسالات إلا قتلة الأنبياء ومحرّفى الكلم عن مواضعه من اليهود الذين خاضوا فى رسل الله وأنبيائه بما هو معروف.
فالذنب هو ما يمكن اعتباره ذنباً على مستوى مقام نبوته صلى الله عليه وسلم ذنبًا مما تقدره الحكمة الإلهية ـ لا ما تحدده أعراف الناس.
ومع هذا كله فإن سيرة محمد صلى الله عليه وسلم قبل البعثة كانت محل تقدير قومه وإكبارهم له لما اشتهر به صلى الله عليه وسلم من العفة والطهر والتميز عن جميع أترابه من الشباب حتى كان معروفًا بينهم بالصادق الأمين.
أفبعد هذا لا يستحى الظالمون لمحمد صلى الله عليه وسلم والحاقدون عليه من أهل الكتاب أن يقولوا: إنه مذنب؟!!
(كبرت كلمة تخرج من أفواههم إن يقولون إلا كذبا) (?) .