توضح كثير من سور القرآن أن السموات والأرض قد خلقت فى ستة أيام. وهنا مشكلتان:
الأولى: أنه من الثابت علميًا أن خلق السموات والأرض قد استغرق بلايين السنين.
الثانية: أنه فى التعبير القرآنى نفسه كانت مدة الخلق ثمانية أيام بدلاً من ستة [فصلت: 9ـ12] .
فكيف يمكن التوفيق بين هذه الآيات؟. (انتهى) .
الرد على الشبهة:
فى كثير من السور القرآنية تتحدث آيات كثيرة عن خلق الله سبحانه وتعالى السموات والأرض وتقدير ما فيهما فى ستة أيام.. ومن هذه الآيات:
(إن ربكم الله الذى خلق السموات والأرض فى ستة أيام) (?) .
(وهو الذى خلق السموات والأرض فى ستة أيام) (?) .
(الذى خلق السموات والأرض وما بينهما فى ستة أيام) (?) .
(الله الذى خلق السموات والأرض وما بينهما فى ستة أيام) (?) .
(ولقد خلقنا السموات والأرض وما بينهما فى ستة أيام) (?) .
(هو الذى خلق السموات والأرض فى ستة أيام) (?) .
* وليس هناك تعارض بين تحديد زمن الخلق للسموات والأرض فى ستة أيام، وبين ما يراه العلم من استغراق ذلك الخلق بلايين السنين، ذلك أن المدى الزمنى " لليوم " عند الله، سبحانه وتعالى ليس هو المدى الزمنى " لليوم " فى العرف والتقويم الذى تعارف عليه الإنسان فى هذه الحياة الدنيا. وفى القرآن الكريم آيات شاهدة على ذلك منها:
(أو كالذى مر على قرية وهى خاوية على عروشها قال أنى يحيى هذه الله بعد موتها فأماته الله مائة عام ثم بعثه قال كم لبثت قال لبثت يومًا أو بعض يوم قال بل لبثت مائة عام فانظر إلى طعامك وشرابك لم يتسنه وانظر إلى حمارك ولنجعلك آية للناس وانظر إلى العظام كيف ننشزها ثم نكسوها لحما فلما تبين له قال أعلم أن الله على كل شىء قدير) (?) .
فبعض اليوم، فى حساب الإنسان ـ هنا ـ بلغ مائة عام.. أى قرابة 37000 يوم! وكذلك الحال فى قصة أهل الكهف.. فما حسبوه يومًا أو بعض يوم قد بلغ ثلاثمائة عام بالتقويم الشمسى وثلثمائة وتسعة أعوام بالتقويم القمرى.. (قال قائل منهم كم لبثتم قالوا لبثنا يومًا أو بعض يوم قالوا ربكم أعلم بما لبثتم) (?) ، (ولبثوا فى كهفهم ثلاث مائة سنين وازدادوا تسعًا * قل الله أعلم بما لبثوا له غيب السموات والأرض أبصر به وأسمع ما لهم من دونه من ولى ولا يشرك فى حكمه أحدا) (?) .
* وكذلك الحال يوم ينفخ فى الصور ـ يوم البعث ـ يحسب بعض المجرمين أن مكثهم فى الدنيا لم يتجاوز عشر ليالٍ.. بينما يحسب آخرون منهم أن مكثهم لم يتعد اليوم الواحد: (يوم ينفخ فى الصور ونحشر المجرمين يوميئذ زرقا * يتخافتون بينهم إن لبثتم إلا عشرا * نحن أعلم بما يقولون إذ يقول أمثلهم طريقة إن لبثتم إلا يوما) (?) .
* أما عند الله، سبحانه وتعالى فإن لمصطلح " اليوم " مدى لا يعلم حقيقة طوله وأمده إلا هو: (ويستعجلونك بالعذاب ولن يخلف الله وعده وإن يومًا عند ربك كألف سنة مما تعدون) (?) .
والآية لا تحدده بألف سنة مما نعد نحن فى تقويمنا.. وإنما تستخدم أداة التشبيه ـ الكاف ـ (كأَلْف) ليظل المدى غير معلوم لنا فى هذه الحياة.. وغير ممكن التحديد بوحداتنا نحن فى القياس الزمنى.
فيوم الدين ـ الجزاء ـ.. وأيام الله.. والأيام الستة التى خلق الله فيها السموات والأرض.. مداها ـ بمقاييس أيامنا نحن ـ لا يعلمها إلا الله، سبحانه وتعالى..
* ثم إن ما اكتشفه العلم من سرعات للصوت.. وسرعات للضوء.. وزمن للضوء ـ سنة ضوئية ـ يجعل تفاوت واختلاف المفاهيم والمقاييس لمصطلح " اليوم " أمرًا مقررًا ومألوفًا.
هذا عن المشكلة الأولى من مشكلتى السؤال..
أما المشكلة الثانية ـ من مشكلتى السؤال ـ والخاصة بحديث بعض الآيات القرآنية عن أن الخلق للسموات والأرض قد يفهم على أنه قد استغرق ثمانية أيام، وليس ستة أيام.. وهى آيام سورة فصلت: (قل أئنكم لتكفرون بالذى خلق الأرض فى يومين وتجعلون له أندادًا ذلك رب العالمين * وجعل فيها رواسى من فوقها وبارك فيها وقدر فيها أقواتها فى أربعة أيام سواء للسائلين * ثم استوى إلى السماء وهى دخان فقال لها وللأرض ائتيا طوعًا أو كرهًا قالتا أتينا طائعين * فقضاهن سبع سموات فى يومين وأوحى فى كل سماء أمرها وزينا السماء الدنيا بمصابيح وحفظًا ذلك تقدير العزيز العليم) (?) .
هذه " المشكلة " لا وجود لها!.. فليس هناك تناقض ولا تفاوت بين المدة الزمنية التى جاءت فى هذه الآيات وبين الآيات الأخرى التى ورد فيها تحديد الأيام الستة..
ففى هذه الآيات ـ من سورة فصلت ـ نجد أن الله سبحانه وتعالى يخبرنا بأنه: (خلق الأرض فى يومين (.
ثم (جعل فيها رواسى من فوقها وبارك فيها وقدّر فيها أقواتها (فى تمام (أربعة أيام (.. أى فى يومين آخرين يضافان إلى اليومين اللذين خلق فيهما الأرض، فيكون المجموع أربعة أيام.. وليس واردًا أن يكون خلق الرواسى وتقدير الأقوات قد استغرق أربعة أيام..
ولعل الشبهة ـ التى جاءت فى السؤال ـ قد أتت من هنا.. أى من توهم إضافة أربعة إلى اليومين اللذين خلقت فيهما الأرض، فيكون المجموع ستة.. وإذا أضيف إليها اليومان اللذان خلقت فيهما السماء (فقضاهن سبع سموات فى يومين (يكون المجموع ثمانية أيام، وليس ستة أيام.. لكن إزالة هذه الشبهة متحققة بإزالة هذا الوهم.. فالأرض خلقت فى يومين.. وخلق الرواسى وتقدير الأقوات قد استغرق ما تمم اليومين أربعة أيام.. أى استغرق هو الآخر يومين.. ثم استغرق خلق السموات السبع يومين.. فكان المجموع ستة أيام من أيام الله، سبحانه وتعالى..
ولقد نبه المفسرون على هذه الحقيقة ـ المزيلة لهذا الوهم ـ فقال القرطبى: " (فى أربعة أيام (. ومثاله قول القائل: خرجت من البصرة إلى بغداد فى عشرة أيام وإلى الكوفة فى خمسة عشر يومًا، أى فى تتمة خمسة عشر يومًا " (?) .
وقال الزمخشرى:
" (فى أربعة أيام (فذلكة (?) لمدة خلق الله الأرض وما فيها، كأنه قال: كل ذلك فى أربعة أيام كاملة مستوية بلا زيادة ولا نقصان.. وقال الزجاج: فى تتمة أربعة أيام، يريد بالتتمة اليومين " (?) .
فهذه الآيات ـ من سورة فصلت ـ تؤكد هى الأخرى ـ على أن خلق السموات والأرض إنما تم فى ستة أيام.. ومن ثم فلا تناقض بين آيات القرآن ولا تفاوت فى مدة الخلق الإلهى للسموات والأرض.. وحاشا أن يكون شىء من ذلك فى الذكر الحكيم.