أقبل هو ومصعب بن عمير رضي الله عنهما حتى أتيا بئر مري (?) أو قريبا منها, فجلسوا هنالك وبعثوا إلى رهط من أهل الأرض فأتوهم مستخفين , فبينما مصعب بن عمير - رضي الله عنه - يحدثهم ويقص عليهم القرآن , أُخبر بهم سعد بن معاذ - رضي الله عنه - فأتاهم في الأرمة ومعه الرمح حتى وقف عليه , فقال: علام يأتينا في دورنا بهذا الوحيد الفريد الطريح الغريب , يسفه ضعفاءنا بالباطل ويدعوهم , لا أراكما بعد هذا بشيء من جوارنا , فرجعوا , ثم إنهم عادوا الثانية ببئر مري أو قريبا منها فأُخبر بهم سعد بن معاذ - رضي الله عنه - الثانية فواعدهم بوعيد دون الوعيد الأول فلما رأى أسعد - رضي الله عنه - منه لينا قال يا ابن خالة اسمع من قوله فإن سمعت منه منكرا فاردده يا هذا منه , وإن سمعت خيرا فأجب الله , فقال: ماذا يقول فقرأ عليهم مصعب بن عمير - رضي الله عنه -: {حم (1) وَالْكِتَابِ الْمُبِينِ (2) إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ (3)} (?) , فقال سعد - رضي الله عنه -: وما أسمع إلا ما أعرف فرجع وقد هداه الله تعالى , ولم يظهر أمر الإسلام حتى رجع.
فرجع إلى قومه فدعا بني عبد الأشهل إلى الإسلام وأظهر إسلامه , وقال فيه من شك من صغير أو كبير أو ذكر أو أنثى فليأتنا بأهدى منه نأخذ به , فوالله لقد جاء أمر لَتُحَزَّنَّ فيه الرقاب فأسلمت بنو عبد الأشهل عند إسلام سعد - رضي الله عنه - ودعائه إلا من لا يذكر فكانت أول دور من دور الأنصار أسلمت بأسرها , ثم إن بني النجار أخرجوا مصعب بن عمير - رضي الله عنه - واشتدوا على أسعد بن زرارة - رضي الله عنه - , فانتقل مصعب بن عمير إلى سعد بن معاذ رضي الله عنهما فلم يزل يدعو ويهدي الله على يديه , حتى قَلَّ دارٌ من دور الأنصار إلا أسلم فيها ناس لا محالة وأسلم أشرافهم وأسلم عمرو بن الجموح - رضي الله عنه - , وكسرت أصنامهم فكان المسلمون أعز