ثُمَّ قَالَ تَعَالَى: {وَإِذْ زَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ وَقَالَ لَا غَالِبَ لَكُمُ الْيَوْمَ مِنَ النَّاسِ وَإِنِّي جَارٌ لَكُمْ} .

قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَقَدْ مَضَى تَفْسِيرُ هَذِهِ الْآيَةِ.

قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: ثُمَّ ذَكَرَ اللَّهُ تَعَالَى أَهْلَ الْكُفْرِ، وَمَا يَلْقَوْنَ عِنْدَ مَوْتِهِمْ، وَوَصَفَهُمْ بِصِفَتِهِمْ وَأَخْبَرَ نَبِيَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْهُمْ، حَتَّى انْتَهَى إلَى أَنْ قَالَ: {فَإِمَّا تَثْقَفَنَّهُمْ فِي الْحَرْبِ فَشَرِّدْ بِهِمْ مَنْ خَلْفَهُمْ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ} [الأنفال: 57] أَيْ فنكِّل بِهِمْ مِنْ وَرَائِهِمْ لَعَلَّهُمْ يَعْقِلُونَ {وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ} إلَى قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لَا تُظْلَمُونَ} [الأنفال: 59] أَيْ لَا يَضِيعُ لَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَجْرُهُ فِي الْآخِرَةِ، وَعَاجِلٌ خِلَفَهُ فِي الدُّنْيَا ثُمَّ قَالَ تَعَالَى: {وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا} : أَيْ إنْ دَعَوْكَ إلَى السَّلْمِ عَلَى الْإِسْلَامِ فَصَالِحْهُمْ عَلَيْهِ {وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ} إنَّ اللَّهَ كافيك {إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ} .

قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: جَنَحُوا للسَّلْم: مَالُوا إلَيْكَ للسَّلْم. الْجُنُوحُ: الْمَيْلُ. قَالَ لَبيد بْنُ رَبِيعَةَ:

جُنوحُ الهالِكي عَلَى يَدَيْه ... مُكِبًّا يَجْتَلي نُقَبَ النِّصالِ1

وهذا البيت في قصيدة له والسَّلْم أَيْضًا: الصُّلْحُ، وفىِ كِتَابِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ: {فَلا تَهِنُوا وَتَدْعُوا إِلَى السَّلْمِ وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ} [محمد: 35] ، وَيُقْرَأُ: "إلَى السِّلْم"، وَهُوَ ذَلِكَ الْمَعْنَى. قَالَ زُهَير بْنُ أَبِي سُلْمى:

وَقَدْ قُلْتُمَا إنْ نُدْرِك السّلْمَ وَاسِعًا ... بمالٍ ومعروفٍ مِنْ القولِ نَسْلَم

وَهَذَا الْبَيْتُ فِي قَصِيدَةٍ لَهُ.

قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَبَلَغَنِي عَنْ الْحَسَنِ بْنِ أَبِي الْحَسَنِ البَصري، أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ: {وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ} للإِسلام. وَفِي كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً} ، [البقرة: 208] وَيُقْرَأُ "فِي السَّلم" وَهُوَ الِإسلام. قَالَ أُمَيَّةُ بْنُ أَبِي الصَّلْت:

فَمَا أنابُوا لسَلْمٍ حِينَ تُنْذِرُهم ... رُسْلُ الإلهِ وَمَا كَانُوا لَهُ عَضُدا

وَهَذَا الْبَيْتُ فِي قَصِيدَةٍ لَهُ. وَتَقُولُ الْعَرَبُ لدَلْو تُعمل مُسْتَطِيلَةً: السَّلْم. قَالَ طَرَفة بْنُ الْعَبْدِ أَحَدُ بَنِي قَيْس بْنِ ثَعْلبة، يَصِفُ ناقة له:

طور بواسطة نورين ميديا © 2015