رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "فَقِّهُوا أَخَاكُمْ فِي دِينِهِ، وَأَقْرِئُوهُ الْقُرْآنَ، وَأَطْلِقُوا لَهُ أسيره"، ففعلوا.

ثُمَّ قَالَ: يَا رسولَ اللَّهِ، إنِّي كُنْتُ جَاهِدًا عَلَى إطْفَاءِ نُورِ اللَّهِ، شَدِيدَ الْأَذَى لِمَنْ كَانَ عَلَى دِينِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَأَنَا أُحِبُّ أَنْ تأذنَ لِي، فَأَقْدَمَ مَكَّةَ، فَأَدْعُوهُمْ إلَى اللَّهِ تَعَالَى، وَإِلَى رَسُولِهِ صَلَّى الله عليه وسلم، لَعَلَّ اللَّهَ يَهْدِيهِمْ، وَإِلَّا آذَيْتُهُمْ فِي دِينِهِمْ كما كنت أوذي أصحابك في دينهم؟ فَأَذِنَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَحِقَ بِمَكَّةَ، وَكَانَ صَفْوَانُ بْنُ أُمَيَّةَ حِينَ خَرَجَ عُمَيْر بْنُ وَهْبٍ، يَقُولُ: أَبْشِرُوا بِوَقْعَةٍ تَأْتِيكُمْ الْآنَ فِي أَيَّامٍ، تُنْسِيكُمْ وَقْعَةَ بَدْرٍ، وَكَانَ صَفْوَانُ يَسْأَلُ عَنْهُ الرُّكْبَانَ، حَتَّى قَدِمَ رَاكِبٌ فَأَخْبَرَهُ عَنْ إسْلَامِهِ، فَحَلَفَ أَنْ لَا يُكَلِّمَهُ أَبَدًا، وَلَا يَنْفَعَهُ بِنَفْعِ أَبَدًا.

قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَلَمَّا قَدِمَ عُمير مَكَّةَ، أَقَامَ بِهَا يَدْعُو إلَى الْإِسْلَامِ، ويؤذِي مَنْ خَالَفَهُ أَذًى شَدِيدًا، فَأَسْلَمَ عَلَى يَدَيْهِ نَاسٌ كثير.

قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وعُمير بْنُ وَهْبٍ، أَوْ الْحَارِثُ بْنُ هِشَامٍ، قَدْ ذُكِرَ لِي أَحَدُهُمَا، الَّذِي رَأَى إبْلِيسَ حِينَ نَكَصَ عَلَى عَقِبَيْهِ يوم بدر، فقيل: أين، أي سُراق؟ ومَثَلَ1 عَدُوُّ اللَّهِ فَذَهَبَ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى فِيهِ: {وَإِذْ زَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ وَقَالَ لَا غَالِبَ لَكُمُ الْيَوْمَ مِنَ النَّاسِ وَإِنِّي جَارٌ لَكُمْ} . فَذَكَرَ اسْتِدْرَاجَ إبْلِيسَ إيَّاهُمْ، وَتَشَبُّهَهُ بسُراقة بْنِ مَالِكِ بْنِ جُعْشم لَهُمْ، حِينَ ذَكَرُوا مَا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ بَنِي بَكْرِ بْنِ عَبْدِ مَناة بْنِ كِنَانَةَ فِي الْحَرْبِ الَّتِي كَانَتْ بَيْنَهُمْ. يَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى: {فَلَمَّا تَرَاءَتِ الْفِئَتَانِ} وَنَظَرَ عَدُوُّ اللَّهِ إلَى جُنُودِ اللَّهِ مِنْ الْمَلَائِكَةِ، قَدْ أَيَّدَ اللَّهُ بِهِمْ رسولَه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْمُؤْمِنِينَ عَلَى عَدُوِّهِمْ {نَكَصَ عَلَى عَقِبَيْهِ وَقَالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِنْكُمْ إِنِّي أَرَى مَا لَا تَرَوْنَ} . وَصَدَقَ عَدُوُّ اللَّهِ، رَأَى مَا لَمْ يَرَوْا، وَقَالَ: {إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ وَاللَّهُ شَدِيدُ الْعِقَابِ} [الأنفال: 48] فَذُكِرَ لِي أَنَّهُمْ كَانُوا يَرَوْنه فِي كُلِّ مَنْزِلٍ فِي صُورَةِ سُرَاقَةَ لَا يُنْكِرُونَهُ، حَتَّى إن كَانَ يَوْمُ بَدْرٍ، وَالْتَقَى الْجَمْعَانِ نَكَصَ عَلَى عقبيه، فأوردهم ثم أسلمهم.

قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: نَكَصَ: رَجَعَ: قَالَ أوْس بن حجر، أَحَدُ بَنِي أسْد بْنِ عَمرو بْنِ تَمِيمٍ:

نكصتُم عَلَى أعقابِكم يومَ جئتُمُ ... تُزَجُّونَ أنفالَ الخميسِ العَرَمْرَمِ

وَهَذَا الْبَيْتُ فِي قَصِيدَةٍ لَهُ.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015