-قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَقَدْ سَمَّى ابنُ إسْحَاقَ الرجلَ فِي حَدِيثِهِ وَقَالَ: هُوَ نَافِعُ بْنُ عَبْدِ قَيْسٍ- فحرِّقوهما بِالنَّارِ" قَالَ، فَلَمَّا كَانَ الغدُ بَعَثَ إلَيْنَا. فَقَالَ: "إنِّي كُنْتُ أمرتُكم بِتَحْرِيقِ هَذَيْنِ الرَّجُلَيْنِ إنْ أَخَذْتُمُوهُمَا. ثُمَّ رَأَيْتُ أَنَّهُ لَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ أَنْ يعذِّب بالنارِ إلَّا اللَّهُ، فَإِنْ ظَفَرْتُمْ بِهِمَا فَاقْتُلُوهُمَا".
إسْلَامُ أَبِي الْعَاصِ بْنِ الرَّبِيعِ:
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَأَقَامَ أَبُو الْعَاصِ بِمَكَّةَ، وَأَقَامَتْ زَيْنَبُ عِنْدَ رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمدينة. حِينَ فَرَّقَ بَيْنَهُمَا الِإسلام. حَتَّى إذَا كَانَ قُبَيل الْفَتْحِ، خَرَجَ أَبُو الْعَاصِ تَاجِرًا إلَى الشَّامِ، وَكَانَ رَجُلًا مَأْمُونًا، بِمَالٍ لَهُ وَأَمْوَالٍ لِرِجَالٍ مِنْ قُرَيْشٍ، أَبْضَعُوهَا مَعَهُ، فَلَمَّا فَرَغَ مِنْ تِجَارَتِهِ وَأَقْبَلَ قَافِلًا، لَقِيَتْهُ سَرِيَّة لِرَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم فأصابوا ماله، وَأَعْجَزَهُمْ هَارِبًا، فَلَمَّا قَدِمَتْ السَّرِيَّةُ بِمَا أَصَابُوا مِنْ مَالِهِ، أَقْبَلَ أَبُو الْعَاصِ تَحْتَ اللَّيْلِ حَتَّى دَخَلَ عَلَى زَيْنَبَ بِنْتِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَاسْتَجَارَ بِهَا، فَأَجَارَتْهُ، وَجَاءَ فِي طَلَبِ مالهِ، فَلَمَّا خَرَجَ رسولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلَى الصُّبْحِ كَمَا حَدَّثَنِي يزيدُ بْنُ رُومَانَ فَكَبَّرَ وَكَبَّرَ النَّاسُ مَعَهُ، صَرَخَتْ زينبُ مِنْ صُفَّة النِّسَاءِ: أَيُّهَا النَّاسُ، إنِّي قَدْ أجرتُ أَبَا الْعَاصِ بْنَ الرَّبِيعِ، قَالَ: فَلَمَّا سَلَّمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ الصَّلَاةِ أَقْبَلَ عَلَى النَّاسِ، فَقَالَ: "أَيُّهَا النَّاسِ! هَلْ سَمِعْتُمْ ما سمعت؟ " قالوا: نعم؟ قال: "وَاَلَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ مَا عَلِمْتُ بِشَيْءٍ من ذلك حتى سمعت ما سمعتُ، إنَّهُ يُجير عَلَى الْمُسْلِمِينَ أَدْنَاهُمْ". ثُمَّ انْصَرَفَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَدَخَلَ عَلَى ابْنَتِهِ، فَقَالَ: "أَيْ بُنَية، أَكْرِمِي مَثْوَاهُ، وَلَا يخلصنَّ إلَيْكَ، فَإِنَّكَ لَا تَحِلِّينَ لَهُ".
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَحَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعَثَ إلَى السَّرية الَّذِينَ أَصَابُوا مَالَ أَبِي الْعَاصِ، فَقَالَ لَهُمْ: "إنَّ هَذَا الرجل منا حيثُ قد علمتم، أَصَبْتُمْ لَهُ مَالًا، فَإِنْ تُحسنوا وَتَرُدُّوا عَلَيْهِ الَّذِي لَهُ، فَإِنَّا نُحب ذَلِكَ، وَإِنْ أَبَيْتُمْ فَهُوَ فَيْءُ اللَّهِ الَّذِي أَفَاءَ عَلَيْكُمْ، فَأَنْتُمْ أحقُّ بِهِ"، فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، بَلْ نَرُدُّهُ عَلَيْهِ، فَرَدُّوهُ عَلَيْهِ، حَتَّى إنَّ الرَّجُلَ لِيَأْتِيَ بالدَّلْوِ، وَيَأْتِيَ الرَّجُلُ بالشَّنَّة وبالِإداوة1، حَتَّى إنَّ أَحَدَهُمْ لِيَأْتِيَ بالشَظاظ2، حَتَّى رَدُّوا عَلَيْهِ مالَه بأسرِه، لَا يَفْقِدُ مِنْهُ شَيْئًا، ثُمَّ احتمله إلَى مَكَّةَ، فَأَدَّى إلَى كلِّ ذِي مَالٍ مِنْ قُرَيْشٍ مالَه، وَمَنْ كَانَ أَبْضَعَ مَعَهُ، ثُمَّ قَالَ: يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ، هَلْ بَقِيَ لأحد منكم عندي مال لم يأخذه