فَقَالَ لَهُ عُمَيْر بْنُ سَعْدٍ: وَاَللَّهِ يَا جُلاس، إنَّكَ لأحبُّ النَّاسِ إليَّ، وَأَحْسَنُهُمْ عِنْدِي يَدًا، وَأَعَزُّهُمْ عليَّ أَنْ يُصِيبَهُ شَيْءٌ يَكْرَهُهُ، وَلَقَدْ قُلْتَ مَقَالَةً لَئِنْ رفعتُها عَلَيْكَ لأفضحَنَّك، وَلَئِنْ صَمتُّ عَلَيْهَا لَيَهْلِكَنَّ دِينِي، وَلَإِحْدَاهُمَا أيسرُ عليَّ مِنْ الْأُخْرَى. ثُمَّ مَشَى إلَى رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَذَكَرَ لَهُ مَا قَالَ جُلاس، فَحَلَفَ جُلاس بِاَللَّهِ لِرَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لَقَدْ كَذَبَ عليَّ عُمَيْر، وَمَا قلتُ مَا قَالَ عُمَيْر بْنُ سَعْدٍ. فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ فِيهِ: {يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ مَا قَالُوا وَلَقَدْ قَالُوا كَلِمَةَ الْكُفْرِ وَكَفَرُوا بَعْدَ إِسْلامِهِمْ وَهَمُّوا بِمَا لَمْ يَنَالُوا وَمَا نَقَمُوا إِلّا أَنْ أَغْنَاهُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ مِنْ فَضْلِهِ فَإِنْ يَتُوبُوا يَكُ خَيْرًا لَهُمْ وَإِنْ يَتَوَلَّوْا يُعَذِّبْهُمُ اللَّهُ عَذَابًا أَلِيمًا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَمَا لَهُمْ فِي الْأَرْضِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا نَصِيرٍ} [التوبة: 74] . قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: الْأَلِيمُ: الْمُوجِعُ. قَالَ ذُو الرُّمَّةِ يَصِفُ إبِلًا:
وتَرْفعُ مِنْ صُدورٍ شَمرْدَلات ... يَصُكُّ وجوهَها وهجٌ أليمُ1
وَهَذَا الْبَيْتُ فِي قَصِيدَةٍ لَهُ.
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَزَعَمُوا أَنَّهُ تَابَ فحسُنت توبتُه، حَتَّى عُرف مِنْهُ الخيرُ والإِسلام.
وَأَخُوهُ الْحَارِثُ بْنُ سُوَيْد، الَّذِي قَتَلَ المجذَّرَ بنَ زِياد البلوي، وقيسَ بن زيد، أحد بني ضُبَيْعة، يَوْمَ أُحُدٍ. خَرَجَ مَعَ الْمُسْلِمِينَ، وَكَانَ مُنَافِقًا، فَلَمَّا الْتَقَى النَّاسُ عَدَا عَلَيْهِمَا، فَقَتَلَهُمَا ثُمَّ لَحِقَ بِقُرَيْشٍ.
قَالَ ابنُ هِشَامٍ: وَكَانَ المجذَّر بن زياد قَتَلَ سُوَيْدَ بْنَ صَامِتٍ فِي بَعْضِ الْحُرُوبِ الَّتِي كَانَتْ بَيْنَ الْأَوْسِ وَالْخَزْرَجِ، فَلَمَّا كَانَ يَوْمُ أُحُدٍ طَلَبَ الْحَارِثُ بْنُ سُوَيد غرةَ المجذَّر بن زياد، لِيَقْتُلهُ بِأَبِيهِ، فَقَتَلَهُ وحدَه، وَسَمِعْتُ غيرَ وَاحِدٍ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ يَقُولُ، وَالدَّلِيلُ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَقْتُلْ قَيْسَ بْنَ زَيْدٍ، أَنَّ ابْنَ إسْحَاقَ لَمْ يَذْكُرْهُ فِي قَتْلَى أُحُدٍ.
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: قَتل سُوَيدَ بْنَ صَامِتٍ معاذُ بْنُ عَفْراء غِيلةً، فِي غَيْرِ حَرْبٍ، رَمَاهُ بِسَهْمٍ فَقَتَلَهُ قَبْلَ يومَ بُعَاثٍ.
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم -فيما يذكرون- قد أمر عمر بن الْخَطَّابِ بِقَتْلِهِ إنْ هُوَ ظَفِرَ بِهِ، فَفَاتَهُ، فَكَانَ بِمَكَّةَ، ثُمَّ بَعَثَ إلَى أَخِيهِ جُلاس يَطْلُبُ التَّوْبَةَ، لِيَرْجِعَ إلَى قَوْمِهِ. فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى فِيهِ -فِيمَا بَلَغَنِي عَنْ ابْنِ عباس: