قَالَ: بَلَى؟ قَالَ: فَذَلِكَ لَكَ. فَلَمَّا افْتَتَحَ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- مكة، كَلَّمَهُ أَبُو أَحْمَدَ فِي دارِهم، فَأَبْطَأَ عَلَيْهِ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقال النَّاسُ لِأَبِي أَحْمَدَ: يَا أَبَا أَحْمَدَ، إنَّ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يكره أَنْ تَرْجِعُوا فِي شَيْءٍ مِنْ أَمْوَالِكُمْ أُصِيبَ مِنْكُمْ فِي اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، فَأَمْسَكَ عَنْ كَلَامِ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَقَالَ لِأَبِي سُفْيَانَ:

أبلغْ أَبَا سُفيانَ عَنْ ... أَمْرٍ عَوَاقِبُهُ ندامهْ

دارَ ابنِ عمِّك بعتَها ... تَقْضِي بِهَا عَنْكَ الغرامهْ

وحليفُكم بِاَللَّهِ رَبِّ ... الناسِ مُجْتَهَدُ القَسَامَهْ

اذهبْ بِهَا، اذهبْ بِهَا ... طُوِّقْتَها طَوْقَ الحمامهْ

قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَأَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِالْمَدِينَةِ إذْ قَدِمها شهرَ رَبِيعٍ الْأَوَّلِ، إلَى صَفَرٍ مِنْ السَّنَةِ الدَّاخِلَةِ، حَتَّى بُنِيَ لَهُ فِيهَا مسجدُه ومساكنهُ، وَاسْتَجْمَعَ لَهُ إسْلَامُ هَذَا الْحَيِّ مِنْ الْأَنْصَارِ، فَلَمْ يَبْقَ دَارٌ مِنْ دُورِ الْأَنْصَارِ إلَّا أَسْلَمَ أهلُها، إلَّا مَا كَانَ مِنْ خَطْمة، وَوَاقِفٍ، وَوَائِلٍ، وَأُمَيَّةَ، وَتِلْكَ أَوْسُ اللَّهِ، وَهُمْ حَيٌّ من الأوس، فإنهم أقاموا على شركهم.

خَطَبَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: وَكَانَتْ أَوَّلُ خُطْبَةٍ خَطَبَهَا رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: فِيمَا بَلَغَنِي عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ -نَعُوذُ بِاَللَّهِ أَنْ نَقُولَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، مَا لَمْ يَقُلْ- أَنَّهُ قَامَ فِيهِمْ، فحمِد اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ بِمَا هُوَ أَهْلُهُ، ثُمَّ قَالَ: "أَمَّا بَعْدُ، أَيُّهَا النَّاسُ، فقدِّموا لِأَنْفُسِكُمْ. تَعَلَّمنُ وَاَللَّهِ ليُصْعَقَنَّ أحدُكم ثُمَّ لَيَدَعَنَّ غنمَه لَيْسَ لَهَا راعٍ، ثُمَّ ليقولنَّ لَهُ ربُّه وَلَيْسَ لَهُ تَرجمان وَلَا حَاجِبٌ يَحْجُبُهُ دُونَهُ: أَلَمْ يَأْتِكَ رَسُولِي فبلَّغك، وَآتَيْتُكَ مَالًا وَأَفْضَلْتُ عَلَيْكَ، فَمَا قَدَّمْتَ لِنَفْسِكَ، فَلَيَنْظُرَنَّ يَمِينًا وَشِمَالًا فَلَا يَرَى شَيْئًا، ثُمَّ لَيَنْظُرَنَّ قُدَّامَهُ فَلَا يَرَى غَيْرَ جَهَنَّمَ. فَمَنْ اسْتَطَاعَ أَنْ يَقِيَ وَجْهَهُ مِنْ النَّارِ وَلَوْ بِشِق مِنْ تَمْرَةٍ فَلْيَفْعَلْ، وَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَبِكَلِمَةٍ طَيِّبَةٍ، فَإِنَّ بِهَا تُجزى الْحَسَنَةُ عَشْرَ أَمْثَالِهَا، إلَى سَبْعِ ماِئَةِ ضَعْفٍ، وَالسَّلَامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وبركاته".

قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: ثُمَّ خَطَبَ رسولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- النَّاسَ مَرَّةً أُخْرَى، فَقَالَ: "إنَّ الحمدَ لِلَّهِ، أحمدُهُ وَأَسْتَعِينُهُ، نَعُوذُ بِاَللَّهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا، وَسَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللَّهِ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضلل فَلَا هاديَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، إنَّ أحسنَ الحديثَ كِتَابُ اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى، قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَيَّنَهُ اللَّهُ فِي قَلْبِهِ، وَأَدْخَلَهُ فِي الْإِسْلَامِ بَعْدَ الْكُفْرِ، وَاخْتَارَهُ عَلَى مَا سِوَاهُ مِنْ أَحَادِيثِ النَّاسِ، إنَّهُ أحسنُ الْحَدِيثِ وأبلغهُ، أَحِبُّوا مَا أَحَبَّ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015