لِأَنَّهُمْ ظُلموا، وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ ذَنْبٌ فِيمَا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ النَّاسِ، إلَّا أَنَّ يَعْبُدُوا اللَّهَ، وَأَنَّهُمْ إذَا ظَهَرُوا أَقَامُوا الصَّلَاةَ، وَآتَوْا الزَّكَاةَ، وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ، وَنَهَوْا عَنْ الْمُنْكَرِ، يَعْنِي النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وأصحابَه رَضِيَ اللَّهُ عنهمِ أَجْمَعِينَ، ثُمَّ أَنَزَلَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى عَلَيْهِ: {وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ} ، أَيْ: حَتَّى لَا يفتَن مُؤْمِنٌ عَنْ دِينِهِ. {وَيَكُونَ الدِّينُ لِلَّهِ} [البقرة: 193] أَيْ: حَتَّى يُعبد اللَّهُ، لَا يُعبد مَعَهُ غيره.
الإذن لمسلمي مكة بالهجرة إلى المدينة: قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَلَمَّا أَذِنَ اللَّهُ تَعَالَى لَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْحَرْبِ، وَبَايَعَهُ هَذَا الْحَيُّ مِنْ الْأَنْصَارِ عَلَى الْإِسْلَامِ والنُّصْرة لَهُ وَلِمَنْ اتَّبَعَهُ، وَأَوَى إلَيْهِمْ مِنْ الْمُسْلِمِينَ، أَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَصْحَابَهُ مِنْ الْمُهَاجِرِينَ مِنْ قَوْمِهِ، وَمَنْ مَعَهُ بِمَكَّةَ مِنْ الْمُسْلِمِينَ، بِالْخُرُوجِ إلَى الْمَدِينَةِ وَالْهِجْرَةِ إلَيْهَا، وَاللُّحُوقِ بِإِخْوَانِهِمْ مِنْ الْأَنْصَارِ وَقَالَ: إنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ قَدْ جَعَلَ لَكُمْ إخْوَانًا وَدَارًا تَأْمَنُونَ بِهَا، فَخَرَجُوا أرْسالًا1، وَأَقَامَ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بمكة يَنْتَظِرُ أَنْ يَأْذَنَ لَهُ رُّبه فِي الْخُرُوجِ مِنْ مَكَّةَ، وَالْهِجْرَةِ إلَى الْمَدِينَةِ.
ذِكْرُ الْمُهَاجِرِينَ إلى المدينة: فَكَانَ أولُ مَنْ هَاجَرَ إلَى الْمَدِينَةِ مِنْ أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- مِنْ الْمُهَاجِرِينَ مِنْ قُرَيْشٍ، مِنْ بَنِي مَخْزُومٍ: أَبُو سَلمة بْنُ عَبْدِ الأسَد بْنِ هِلَالِ بن عبد الله بن عُمر بن مخزوم، وَاسْمُهُ: عَبْدُ اللَّهِ، هَاجَرَ إلَى الْمَدِينَةِ قَبْلَ بَيعة أَصْحَابِ الْعَقَبَةِ بِسَنَةٍ، وَكَانَ قَدِمَ عَلَى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- مكة مِنْ أَرْضِ الْحَبَشَةِ، فَلَمَّا آذَتْهُ قُرَيْشٌ، وَبَلَغَهُ إسْلَامُ مَنْ أَسْلَمَ مِنْ الْأَنْصَارِ، خَرَجَ إلَى المدينة مهاجرًا.
قال ابن إسحاق: حدثني أَبِي: إسْحَاقُ بْنُ يَسَارٍ، عَنْ سَلَمة بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمر بْنِ أَبِي سَلَمة عَنْ جَدَّتِهِ أُمِّ سَلَمَةَ، زَوْجِ النَّبِيِّ -صَلَّى الله عليه وسلم- قالت: لما أجمع أبي سَلَمَةَ الْخُرُوجَ إلَى الْمَدِينَةِ رحَّل لِي بَعِيرَهُ ثُمَّ حَمَلَنِي عَلَيْهِ، وَحَمَلَ مَعِي ابْنِي سَلَمَةَ بْنَ أَبِي سَلَمَةَ فِي حِجْرِي، ثُمَّ خَرَجَ بي يقود بعيرَه، فَلَمَّا رَأَتْهُ رجالُ بَنِي الْمُغِيرَةِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ بْنِ مَخْزُومٍ قَامُوا إلَيْهِ، فَقَالُوا: هَذِهِ نَفْسُكَ غلبتَنا عَلَيْهَا، أرأيتَ صَاحِبَتَكَ هَذِهِ؟ علامَ نَتْرُكُكَ تَسِيرُ بِهَا فِي الْبِلَادِ؟ قَالَتْ: فَنَزَعُوا خطامَ الْبَعِيرِ مِنْ يَدِهِ، فَأَخَذُونِي مِنْهُ قَالَتْ: وَغَضِبَ عِنْدَ ذَلِكَ بَنُو عَبْدِ الْأَسَدِ، رهْط أَبِي سَلَمَةَ، فَقَالُوا: لَا وَاَللَّهِ، لَا نَتْرُكُ ابْنَنَا عِنْدَهَا إذْ نَزَعْتُمُوهَا مِنْ صَاحِبِنَا.
قَالَتْ: فَتَجَاذَبُوا بُنَيَّ سَلَمة بَيْنَهُمْ حَتَّى خَلَعُوا يَدَهُ وَانْطَلَقَ بِهِ بَنُو عَبْدِ الأسد، وحبسني بنو المغيرة