قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَذَكَرَ بعضُ أَهْلِ الْعِلْمِ: أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قَالَ لِأَبِي طَالِبٍ: يَا عَمِّ؛ إنَّ رَبِّي اللَّهَ قَدْ سَلَّطَ الْأَرَضَةَ عَلَى صَحِيفَةِ قُرَيْشٍ، فَلَمْ تدعْ فِيهَا اسْمًا هُوَ لِلَّهِ إلَّا أَثْبَتَتْهُ فِيهَا، وَنَفَتْ مِنْهُ الظُّلْمَ وَالْقَطِيعَةَ وَالْبُهْتَانَ؛ فَقَالَ: أربُّك أَخْبَرَكَ بِهَذَا؟ قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: فَوَاَللَّهِ مَا يَدْخُلُ عَلَيْكَ أحدٌ، ثُمَّ خَرَجَ إلَى قُرَيْشٍ، فَقَالَ: يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ، إنَّ ابْنَ أَخِي أَخْبَرَنِي بِكَذَا وَكَذَا، فَهَلُمَّ صَحِيفَتُكُمْ، فَإِنْ كَانَ كَمَا قَالَ ابْنُ أَخِي فَانْتَهُوا عَنْ قَطِيعَتِنَا، وَانْزِلُوا عَمَّا فِيهَا، وَإِنْ يَكُنْ كَاذِبًا دَفَعْتُ إلَيْكُمْ ابْنَ أَخِي، فَقَالَ الْقَوْمُ: رَضِينَا. فَتَعَاقَدُوا عَلَى ذَلِكَ. ثُمَّ نَظَرُوا. فَإِذَا هِيَ كَمَا قَالَ رسولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَزَادَهُمْ ذَلِكَ شَرًّا. فَعِنْدَ ذَلِكَ صَنَعَ الرهْط مِنْ قُرَيْشٍ فِي نَقْضِ الصحيفةِ ما صنعوا1.
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَلَمَّا مُزقت الصَّحِيفَةُ وَبَطَلَ مَا فِيهَا. قَالَ أَبُو طَالِبٍ، فِيمَا كَانَ مِنْ أَمْرِ أُولَئِكَ النَّفَرِ الَّذِينَ قَامُوا فِي نَقْضِهَا يَمْدَحُهُمْ:
أَلَا هَلْ أَتَى بَحْرِيَّنا صُنْعُ رَبِّنَا عَلَى ... نَأْيِهِمْ واللهُ بالناسِ أرْوَدُ2
فَيُخْبِرَهُمْ أَنَّ الصحيفةَ مُزقت وأنْ كلُّ ... مَا لَمْ يَرْضه اللَّهُ مُفسِد
تُرَاوِحُهَا إفْكٌ وَسِحْرٌ مجمَّعٌ ... وَلَمْ يُلفَ سِحر آخِرَ الدَّهْرِ يَصْعَد
تَدَاعَى لَهَا مَنْ لَيْسَ فِيهَا بِقَرْقَرٍ ... فَطَائِرُهَا فِي رَأْسِهَا يَتَرَدَّدُ3
وَكَانَتْ كِفَاءً رَقْعَةٌ بِأَثِيمَةٍ ... لِيُقْطَعَ مِنْهَا سَاعِدٌ وَمُقَلَّدُ4
ويَظْعنُ أهلُ المكَّتين فَيَهْرُبُوا ... فرائصُهم من خشيةِ الشرِّ تَرْعَد
ويُتْرَك حَرَّات يقلب أمرَه ... أيتهِم منهم عِنْدَ ذَاكَ ويُنجِدُ5
وَتَصْعَدُ بَيْنَ الأخْشَبَيْن كتيبةٌ ... لَهَا حُدُج سَهْمٌ وَقَوْسٌ ومِرْهد6
فَمَنْ يَنَش مِنْ حضَّار مَكَّةَ عِزُّهُ ... فعِزتنا فِي بَطْنِ مكة أتلدُ