وقال رؤبة:
مَا لِامْرِئٍ أفَّك قَوْلًا إفْكًا
وَهَذَا الْبَيْتُ فِي أُرْجُوزَةٍ لَهُ.
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَجَلَسَ رَسُولُ اللَّهِ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمًا -فِيمَا بَلَغَنِي- مَعَ الْوَلِيدِ بْنِ الْمُغِيرَةِ فِي الْمَسْجِدِ، فَجَاءَ النضْر بْنُ الْحَارِثِ حَتَّى جَلَسَ مَعَهُمْ فِي الْمَجْلِسِ، وَفِي الْمَجْلِسِ غيرُ وَاحِدٍ مِنْ رِجَالِ قُرَيْشٍ، فَتَكَلَّمَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فعرضَ لَهُ النضرُ بنُ الحارث، فَكَلَّمَهُ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حَتَّى أَفْحَمَهُ ثُمَّ تَلَا عَلَيْهِ وَعَلَيْهِمْ: {إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ أَنْتُمْ لَهَا وَارِدُونَ، لَوْ كَانَ هَؤُلاءِ آلِهَةً مَا وَرَدُوهَا وَكُلٌّ فِيهَا خَالِدُونَ، لَهُمْ فِيهَا زَفِيرٌ وَهُمْ فِيهَا لَا يَسْمَعُونَ} .
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: حَصَبُ جَهَنَّمَ: كُلُّ مَا أُوقِدَتْ بِهِ. قال، أبو ذُؤيب الهذلي، واسمه خوَيْلد بن خالد:
فأطفئ ولا توقد ولاتكُ مُحصبًا ... لنارِ العداةِ أن تطيرَ شداتها
وهذا البيت في أبيات له. ويروى "ولاتك محضئًا". قَالَ الشَّاعِرُ:
حَضَأْتُ لَهُ نَارِي فَأَبْصَرَ ضوءَها ... وما كان لولا حضأةُ النارِ يهتدي
ابن الزبعرى وما قيل فِيهِ: قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: ثُمَّ قَامَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَأَقْبَلَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الزِّبَعْرَى السَّهمي حَتَّى جَلَسَ، فَقَالَ الْوَلِيدُ بْنُ الْمُغِيرَةِ لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزِّبَعْرَى: وَاَللَّهِ مَا قَامَ النَّضْرُ بْنُ الْحَارِثِ لَابْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ آنِفًا وَمَا قَعَدَ، وَقَدْ زَعَمَ مُحَمَّدٌ أَنَّا وَمَا نَعْبُدُ مِنْ آلِهَتِنَا هَذِهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ؛ فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الزِّبَعْرَى: أَمَا وَاَللَّهِ لَوْ وَجَدْتُهُ لخصَمته، فَسَلُوا مُحَمَّدًا: أَكُلُّ مَا يُعْبَدُ مِنْ دُونِ اللَّهِ فِي جَهَنَّمَ مَعَ مَنْ عَبَدَهُ؟ فَنَحْنُ نَعْبُدُ الْمَلَائِكَةَ، وَالْيَهُودُ تَعْبُدُ عُزَيْرًا، وَالنَّصَارَى تَعْبُدُ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ عَلَيْهِمَا السَّلَامُ فَعَجِبَ الْوَلِيدُ، وَمَنْ كَانَ مَعَهُ فِي الْمَجْلِسِ مِنْ قَوْلِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزِّبَعْرَى، وَرَأَوْا أَنَّهُ قَدْ احْتَجَّ وَخَاصَمَ: فذُكر لِرَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مِنْ قَوْلِ ابْنِ الزِّبَعْرَى: فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم: "كُلَّ مَنْ أَحَبَّ أَنْ يُعبد مِنْ دُونِ اللَّهِ فَهُوَ مَعَ مَنْ عَبَدَهُ، إنَّهُمْ إنَّمَا يَعْبُدُونَ الشَّيَاطِينَ، وَمَنْ أَمَرَتْهُمْ بِعِبَادَتِهِ". فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ فِي ذَلِكَ: {إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنَى أُولَئِكَ عَنْهَا مُبْعَدُونَ، لَا يَسْمَعُونَ حَسِيسَهَا وَهُمْ فِي مَا اشْتَهَتْ أَنْفُسُهُمْ خَالِدُونَ} [الأنبياء: 101، 102] أي عيسى ابن مريم، وعزيزًا، ومن عُبدوا من الأحبار والرهبان الذي مَضَوْا عَلَى طَاعَةِ اللَّهِ، فَاِتَّخَذَهُمْ مَنْ يَعْبُدُهُمْ مِنْ أَهْلِ الضَّلَالَةِ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ.