لَقِيَ حَكِيمَ بْنَ حِزَامِ بْنِ خُوَيْلد بْنِ أَسَدٍ، مَعَهُ غُلَامٌ يَحْمِلُ قَمْحًا يُرِيدُ بِهِ عَمَّتَهُ خَدِيجَةَ بِنْتَ خوَيلد، وَهِيَ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَمَعَهُ فِي الشِّعْب، فَتَعَلَّقَ بِهِ وَقَالَ: أَتَذْهَبُ بِالطَّعَامِ إلَى بَنِي هَاشِمٍ؟ وَاَللَّهِ لَا تبرحْ أَنْتَ وطعامُك حتى أفضحك بمكة. فجاءه أبو البَخْتري بْنَ هِشَامِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ أَسَدٍ، فَقَالَ: مَا لَكَ وَلَهُ؟ فَقَالَ: يَحْمِلُ الطَّعَامَ إلى بني هاشم؟ فقال أَبُو البَخْتري: طَعَامٌ كَانَ لِعَمَّتِهِ عِنْدَهُ بَعَثَتْ إلَيْهِ فِيهِ أَفَتَمْنَعُهُ أَنْ يَأْتِيَهَا بِطَعَامِهَا؟ خلِّ سبيلَ الرَّجُلِ؛ فَأَبَى أَبُو جَهْلٍ حَتَّى نَالَ أحدهما من صاحبه، فأخذ أَبُو البخْتري لَحْي بَعِيرٍ فَضَرَبَهُ بِهِ فَشَجَّهُ، ووطئه وطأ شَدِيدًا وَحَمْزَةُ بْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ قَرِيبٌ يَرَى ذَلِكَ، وَهُمْ يَكْرَهُونَ أَنْ يَبْلُغَ ذَلِكَ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَأَصْحَابَهُ، فَيَشْمَتُوا بِهِمْ، ورسولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- على ذلك يدعو قومه ليلًا ونهارًا، سرًّا وجهارًا، مناديًا بِأَمْرِ اللَّهِ لَا يَتَّقِي فِيهِ أَحَدًا مِنْ النَّاسِ.
ذِكْرُ مَا لَقِيَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ قَوْمِهِ مِنْ الْأَذَى:
ما نزل من القرآن في أبي لهب وامرأته حمالة الحطب: فَجَعَلَتْ قُرَيْشٌ حِينَ مَنَعَهُ اللَّهُ مِنْهَا، وَقَامَ عمُّه وَقَوْمُهُ مِنْ بَنِي هَاشِمٍ وَبَنِيَّ الْمُطَّلِبِ دونَه وَحَالُوا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ مَا أَرَادُوا مِنْ الْبَطْشِ بِهِ، يَهْمِزونه وَيَسْتَهْزِئُونَ بِهِ وَيُخَاصِمُونَهُ، وَجَعَلَ الْقُرْآنُ يَنْزِلُ فِي قُرَيْشٍ بِأَحْدَاثِهِمْ، وَفِيمَنْ نُصِبَ لِعَدَاوَتِهِ مِنْهُمْ، وَمِنْهُمْ مَنْ سَمى لَنَا، وَمِنْهُمْ مَنْ نَزَلَ فِيهِ الْقُرْآنُ فِي عَامَّةِ مَنْ ذَكر اللَّهُ مِنْ الْكُفَّارِ، فَكَانَ مِمَّنْ سُمي لَنَا مِنْ قُرَيْشٍ مِمَّنْ نَزَلَ فِيهِ الْقُرْآنُ عَمُّهُ أَبُو لَهَبِ بْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ وَامْرَأَتُهُ أُمُّ جَمِيلٍ بِنْتُ حَرْبِ بْنِ أُمَيَّةَ، حَمَّالَةَ الْحَطَبِ وَإِنَّمَا سَمَّاهَا اللَّهُ تَعَالَى حَمَّالَةَ الْحَطَبِ لِأَنَّهَا كَانَتْ -فِيمَا بَلَغَنِي- تَحْمِلُ الشَّوْكَ فَتَطْرَحَهُ عَلَى طَرِيقِ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم- حيث تمر، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى فِيهِمَا: {تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ، مَا أَغْنَى عَنْهُ مَالُهُ وَمَا كَسَبَ، سَيَصْلَى نَارًا ذَاتَ لَهَبٍ، وَامْرَأَتُهُ حَمَّالَةَ الْحَطَبِ، فِي جِيدِهَا حَبْلٌ مِنْ مَسَدٍ} .
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: الجِيد: العُنق، قَالَ أعْشَى بَنِي قَيْس بْنِ ثَعْلَبَةَ:
يومَ تُبدي لَنَا قتيلةُ عن جيـ ... ـدٍ أسيلٍ تزِينُه الأطواقُ
وَهَذَا الْبَيْتُ فِي قَصِيدَةٍ لَهُ. وَجَمْعُهُ: أَجْيَادٌ. والمسَد: شَجَرٌ يُدَق كَمَا يُدَق الْكَتَّانُ فَتُفْتَلُ مِنْهُ حِبَالٌ. قَالَ النَّابِغَةُ الذُّبياني، وَاسْمُهُ زِياد بْنُ عَمرو بْنِ مُعَاوِيَةَ:
مقذوفةٍ بدخيسِ النَّحْضِ بازِلُها ... لَهُ صَرِيفٌ صريفَ القَعْوِ بالمَسدِ1