ذَلِكَ، إلَّا بَرَكَ هَيْبَةً لَهُ، فَلَمَّا دَخَلَ عَلَيْهِ سَيْفُ بْنُ ذِي يَزَنَ بَرَكَ.
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: حَدَّثَنِي أَبُو عُبَيْدَةَ:
أَنَّ سَيْفًا لَمَّا دَخَلَ عَلَيْهِ طَأْطَأَ رَأْسَهُ، فَقَالَ الْمَلِكُ: إنَّ هَذَا الْأَحْمَقَ يَدْخُلُ عَلَيَّ مِنْ هَذَا الْبَابِ الطَّوِيلِ، ثُمَّ يُطَأْطِئُ رَأسه؟ فَقَالَ ذَلِكَ لِسَيْفِ، فَقَالَ: إنَّمَا فَعَلْتُ هَذَا لِهَمِّي، لِأَنَّهُ يَضِيقُ عَنْهُ كُلُّ شَيْءٍ.
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: ثُمَّ قَالَ لَهُ: أَيُّهَا الْمَلِكُ، غَلَبَتْنَا عَلَى بِلَادِنَا الْأَغْرِبَةُ، فَقَالَ لَهُ كِسْرَى: أَيُّ الْأَغْرِبَةِ: الْحَبَشَةُ أَمْ السِّنْدُ فَقَالَ: بَلْ الْحَبَشَةُ، فَجِئْتُكَ لِتَنْصُرَنِي، وَيَكُونُ مُلْكُ بِلَادِي لَكَ، قَالَ: بَعُدَتْ بِلَادُكَ مَعَ قِلَّةِ خَيْرِهَا، فَلَمْ أَكُنْ لِأُوَرِّطَ [1] جَيْشًا مِنْ فَارِسَ بِأَرْضِ الْعَرَبِ، لَا حَاجَةَ لِي بِذَلِكَ، ثُمَّ أَجَازَهُ بِعَشَرَةِ آلَافِ دِرْهَمٍ [2] وَافٍ، وَكَسَاهُ كُسْوَةً حَسَنَةً. فَلَمَّا قَبَضَ ذَلِكَ مِنْهُ سَيْفٌ خَرَجَ، فَجَعَلَ يَنْثُرُ ذَلِكَ الْوَرِقَ لِلنَّاسِ، فَبَلَغَ ذَلِكَ الْمَلِكَ، فَقَالَ: إنَّ لِهَذَا لَشَأْنًا، ثُمَّ بَعَثَ إلَيْهِ، فَقَالَ: عَمَدْتَ إلَى حِبَاءِ الْمَلِكِ تَنْثُرُهُ لِلنَّاسِ، فَقَالَ: وَمَا أَصْنَعُ بِهَذَا مَا جِبَالُ أَرْضِي الَّتِي جِئْتُ مِنْهَا [3] إلَّا ذَهَبٌ وَفِضَّةٌ: يُرَغِّبُهُ فِيهَا. فَجَمَعَ كِسْرَى مَرَازِبَتَهُ [4] ، فَقَالَ لَهُمْ: مَاذَا تَرَوْنَ فِي أَمْرِ هَذَا الرَّجُلِ، وَمَا جَاءَ لَهُ؟ فَقَالَ قَائِلٌ:
أَيُّهَا الْمَلِكُ، إنَّ فِي سُجُونِكَ رِجَالًا قَدْ حَبَسْتَهُمْ لِلْقَتْلِ، فَلَوْ أَنَّكَ بَعَثْتَهُمْ مَعَهُ، فَإِنْ يَهْلِكُوا كَانَ ذَلِكَ الَّذِي أَرَدْتَ بِهِمْ، وَإِنْ ظَفِرُوا كَانَ مُلْكًا ازْدَدْتَهُ [5] . فَبَعَثَ مَعَهُ كِسْرَى مَنْ كَانَ فِي سجونه، وَكَانُوا ثَمَان مائَة رَجُلٍ.
وَاسْتَعْمَلَ عَلَيْهِمْ رَجُلًا يُقَالُ لَهُ وَهْرِزُ، وَكَانَ ذَا سِنٍّ فِيهِمْ، وَأَفْضَلَهُمْ حَسَبًا وَبَيْتًا. فَخَرَجُوا فِي ثَمَانِ سَفَائِنَ، فَغَرِقَتْ سَفِينَتَانِ، وَوَصَلَ إلَى سَاحِلِ عَدَنَ