إذْ [1] مَالَتْ الرُّمَاةُ إلَى الْعَسْكَرِ، حِينَ كَشَفْنَا الْقَوْمَ عَنْهُ وَخَلَّوْا ظُهُورَنَا لِلْخَيْلِ، فَأُتِينَا مِنْ خَلْفِنَا، وَصَرَخَ صَارِخٌ: أَلَا إنَّ مُحَمَّدًا قَدْ قُتِلَ، فَانْكَفَأْنَا [2] وَانْكَفَأَ عَلَيْنَا الْقَوْمُ بَعْدَ أَنْ أَصَبْنَا أَصْحَابَ اللِّوَاءِ حَتَّى مَا يَدْنُو مِنْهُ أَحَدٌ مِنْ الْقَوْمِ.

قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: الصَّارِخُ: أَزَبُّ الْعَقَبَةِ، يَعْنِي الشَّيْطَانَ.

(شَجَاعَةُ صُؤَابٍ وَشِعْرُ حَسَّانَ فِي ذَلِكَ) :

قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَحَدَّثَنِي بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ: أَنَّ اللِّوَاءَ لَمْ يَزَلْ صَرِيعًا حَتَّى أَخَذَتْهُ عَمْرَةُ بِنْتُ عَلْقَمَةَ الْحَارِثِيَّةُ، فَرَفَعته لقريش، فَلَا ثَوَابه [3] . وَكَانَ اللِّوَاءُ مَعَ صُؤَابٍ، غُلَامٌ لِبَنِي أَبِي طَلْحَةَ، حَبَشِيٌّ وَكَانَ آخِرُ مَنْ أَخَذَهُ مِنْهُمْ، فَقَاتَلَ بِهِ حَتَّى قُطِعَتْ يَدَاهُ، ثُمَّ بَرَكَ عَلَيْهِ، فَأَخَذَ اللِّوَاءَ بِصَدْرِهِ وَعُنُقِهِ حَتَّى قُتِلَ عَلَيْهِ، وَهُوَ يَقُولُ: اللَّهمّ هَلْ أَعْزَرْتُ- يَقُولُ: أَعَذَرْتُ [4]- فَقَالَ حَسَّانُ بْنُ ثَابِتٍ فِي ذَلِكَ:

فَخَرْتُمْ بِاللِّوَاءِ وَشَرُّ فَخْرٍ ... لِوَاءٌ حِينَ رُدَّ إلَى صُؤَابِ

جَعَلْتُمْ فَخَرَكُمْ فِيهِ بِعَبْدٍ ... وَأَلْأَمُ مَنْ يَطَا عَفَرَ التُّرَابِ [5]

ظَنَنْتُمْ، وَالسَّفِيهُ لَهُ ظُنُونُ ... وَمَا إنْ ذَاكَ مِنْ أَمْرِ الصَّوَابِ

بِأَنَّ جِلَادَنَا [6] يَوْمَ الْتَقَيْنَا ... بِمَكَّةَ بَيْعُكُمْ حُمْرَ الْعِيَابِ [7]

أَقَرَّ الْعَيْنَ أَنْ عُصِبَتْ يَدَاهُ ... وَمَا إنْ تُعْصَبَانِ عَلَى خِضَابِ

قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: آخِرُهَا بَيْتًا يُرْوَى لِأَبِي خِرَاشٍ الْهُذَلِيِّ، وَأَنْشَدَنِيهِ لَهُ خَلَفٌ الْأَحْمَرُ:

طور بواسطة نورين ميديا © 2015