الْجُزُرَ وَتُسْقَى بِهَا الْخَمْرَ، وَتَعْزِفُ عَلَيْنَا فِيهَا الْقِيَانُ، وَتَسْمَعُ الْعَرَبُ: أَيْ لَا يَكُونُ أَمْرُكُمْ رِيَاءً، وَلَا سُمْعَةً، وَلَا الْتِمَاسَ مَا عِنْدَ النَّاسِ وَأَخْلِصُوا للَّه النِّيَّةَ وَالْحِسْبَةَ فِي نَصْرِ دِينِكُمْ، وَمُوَازَرَةِ نَبِيِّكُمْ، لَا تَعْمَلُوا إلَّا لِذَلِكَ وَلَا تَطْلُبُوا غَيْرَهُ.
ثُمَّ قَالَ تَعَالَى: وَإِذْ زَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطانُ أَعْمالَهُمْ وَقال لَا غالِبَ لَكُمُ الْيَوْمَ مِنَ النَّاسِ، وَإِنِّي جارٌ لَكُمْ 8: 48.
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَقَدْ مَضَى تَفْسِيرُ هَذِهِ الْآيَةِ.
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: ثُمَّ ذَكَرَ اللَّهُ تَعَالَى أَهْلَ الْكُفْرِ، وَمَا يَلْقَوْنَ عِنْدَ مَوْتِهِمْ، وَوَصَفَهُمْ بِصِفَتِهِمْ، وَأَخْبَرَ نَبِيَّهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْهُمْ، حَتَّى انْتَهَى إلَى أَنْ قَالَ فَإِمَّا تَثْقَفَنَّهُمْ فِي الْحَرْبِ فَشَرِّدْ بِهِمْ مَنْ خَلْفَهُمْ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ 8: 57 أَيْ فَنَكِّلْ بِهِمْ مِنْ وَرَائِهِمْ لَعَلَّهُمْ يَعْقِلُونَ وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمن رِباطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ 8: 60.. إلَى قَوْلِهِ تَعَالَى: وَما تُنْفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ، وَأَنْتُمْ لَا تُظْلَمُونَ 8: 60: أَيْ لَا يَضِيعُ لَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَجْرُهُ فِي الْآخِرَةِ، وَعَاجِلٌ خِلَفَهُ فِي الدُّنْيَا ثُمَّ قَالَ تَعَالَى: وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَها 8: 61: أَيْ إنْ دَعَوْكَ إلَى السَّلْمِ عَلَى الْإِسْلَامِ فَصَالِحْهُمْ عَلَيْهِ وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ 8: 61 إنَّ اللَّهَ كَافِيكَ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ 8: 61.
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: جَنَحُوا لِلسَّلْمِ: مَالُوا إلَيْكَ لِلسَّلْمِ. الْجُنُوحُ: الْمَيْلُ. قَالَ لَبِيدُ بْنُ رَبِيعَةَ:
جُنُوحُ الْهَالِكِيَّ عَلَى يَدَيْهِ ... مُكِبًّا يَجْتَلِي نُقَبَ النِّصَالِ [1]
وَهَذَا الْبَيْتُ فِي قَصِيدَةٍ لَهُ (يُرِيدُ: الصَّيْقَلَ الْمُكِبَّ عَلَى عَمَلِهِ. النَّقْبُ صَدَأُ السَّيْفِ.
يَجْتَلِي: يَجْلُو السَّيْفَ) [2] . وَالسَّلْمُ (أَيْضًا) : الصُّلْحُ، وَفِي كِتَابِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ:
فَلا تَهِنُوا وَتَدْعُوا إِلَى السَّلْمِ وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ 47: 35، وَيُقْرَأُ: «إلَى السِّلم» ، وَهُوَ ذَلِكَ الْمَعْنَى. قَالَ زُهَيْرُ بْنُ أَبِي سُلْمَى: