قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: الْمُهْلُ: كُلُّ شَيْءٍ أَذَبْتُهُ، مِنْ نُحَاسٍ أَوْ رَصَاصٍ أَوْ مَا أَشْبَهَ ذَلِكَ فِيمَا أَخْبَرَنِي أَبُو عُبَيْدَةَ.
وَبَلَغَنَا عَنْ الْحَسَنِ (الْبَصْرِيِّ) [1] أَنَّهُ قَالَ: كَانَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ وَالِيًا لِعُمَرِ بْنِ الْخَطَّابِ عَلَى بَيْتِ مَالِ الْكُوفَةِ، وَأَنَّهُ أَمَرَ يَوْمًا بِفِضَّةٍ فَأُذِيبَتْ، فَجُعِلَتْ تُلَوَّنُ أَلْوَانًا، فَقَالَ: هَلْ بِالْبَابِ مِنْ أَحَدٍ؟ قَالُوا: نَعَمْ، قَالَ: فَأَدْخِلُوهُمْ، فَأُدْخِلُوا فَقَالَ: إنَّ أَدْنَى مَا أَنْتُمْ رَاءُونَ شَبَهًا بِالْمُهْلِ، لَهَذَا [2] . وَقَالَ الشَّاعِرُ:
يَسْقِيهِ رَبِّي حَمِيمَ الْمُهْلِ يَجْرَعُهُ ... يَشْوِي الْوُجُوهَ فَهُوَ فِي بَطْنِهِ صِهَرُ [3]
وَيُقَالُ: إنَّ الْمُهْلَ: صَدِيدُ الْجَسَدِ.
(اسْتِشْهَادٌ فِي تَفْسِيرِ «الْمُهْلِ» بِكَلَامِ لِأَبِي بَكْرٍ) :
بَلَغَنَا أَنَّ أَبَا بَكْرٍ الصِّدِّيقَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ لَمَّا حُضِرَ أَمَرَ بِثَوْبَيْنِ لَبِيسَيْنِ يُغْسَلَانِ فَيُكَفَّنُ فِيهِمَا، فَقَالَتْ لَهُ عَائِشَةُ: قَدْ أَغْنَاكَ اللَّهُ يَا أَبَتِ عَنْهُمَا، فَاشْتَرِ كَفَنًا، فَقَالَ: إنَّمَا هِيَ سَاعَةٌ حَتَّى يَصِيرَ إلَى الْمُهْلِ. قَالَ الشَّاعِرُ:
شَابَ بِالْمَاءِ مِنْهُ مُهْلًا كَرِيهًا ... ثُمَّ عَلَّ الْمُتُونَ بَعْدَ النِّهَالِ [4]
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى فِيهِ: وَالشَّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ فِي الْقُرْآنِ، وَنُخَوِّفُهُمْ فَما يَزِيدُهُمْ إِلَّا طُغْياناً كَبِيراً 17: 60.
وَوَقَفَ الْوَلِيدُ بْنُ الْمُغِيرَةِ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُكَلِّمُهُ، وَقَدْ طَمِعَ فِي إسْلَامِهِ، فَبَيْنَا هُوَ فِي ذَلِكَ، إذْ مَرَّ بِهِ