قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ بْنُ عُتْبَةَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مُسْلِمٍ الزُّهْرِيُّ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ، عَنْ عَائِشَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَتْ:
فَخَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَمْشِي بَيْنَ رَجُلَيْنِ مِنْ أَهْلِهِ: أَحَدُهُمَا الْفَضْلُ بْنُ الْعَبَّاسِ، وَرَجُلٌ آخَرُ، عَاصِبًا رَأْسَهُ، تَخُطُّ قَدَمَاهُ، حَتَّى دَخَلَ بَيْتِي.
قَالَ عُبَيْدُ اللَّهِ، فَحَدَّثْتُ هَذَا الْحَدِيثَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ الْعَبَّاسِ، فَقَالَ: هَلْ تَدْرِي مَنْ الرَّجُلُ الْآخَرُ؟ قَالَ: قُلْتُ: لَا؟ قَالَ: عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ.
ثُمَّ غُمِرَ [1] رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَاشْتَدَّ بِهِ وَجَعُهُ، فَقَالَ هَريقُوا عَلَيَّ سَبْعَ قِرَبٍ مِنْ آبَارٍ شَتَّى، حَتَّى أَخْرُجَ إلَى النَّاسِ فَأَعْهَدُ إلَيْهِمْ. قَالَتْ: فَأَقْعَدْنَاهُ فِي مِخْضَبٍ [2] لِحَفْصَةَ بِنْتِ عُمَرَ، ثُمَّ صَبَبْنَا عَلَيْهِ الْمَاءَ حَتَّى طَفِقَ يَقُولُ: حَسْبُكُمْ حَسْبُكُمْ.
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَقَالَ الزُّهْرِيُّ: حَدَّثَنِي أَيُّوبُ بْنُ بَشِيرٍ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَرَجَ عَاصِبًا رَأْسَهُ حَتَّى جَلَسَ عَلَى الْمِنْبَرِ، ثُمَّ كَانَ أَوَّلُ مَا تَكَلَّمَ بِهِ أَنَّهُ صَلَّى عَلَى أَصْحَابِ أُحُدٍ، وَاسْتَغْفَرَ لَهُمْ، فَأَكْثَرَ الصَّلَاةَ عَلَيْهِمْ، ثُمَّ قَالَ: إنَّ عَبْدًا مِنْ عِبَادِ اللَّهِ خَيَّرَهُ اللَّهُ بَيْنَ الدُّنْيَا وَبَيْنَ مَا عِنْدَهُ، فَاخْتَارَ مَا عِنْدَ اللَّهِ. قَالَ: فَفَهِمَهَا أَبُو بَكْرٍ، وَعَرَفَ أَنَّ نَفْسَهُ يُرِيدُ، فَبَكَى وَقَالَ: بَلْ نَحْنُ نَفْدِيكَ بِأَنْفُسِنَا وَأَبْنَائِنَا، فَقَالَ: عَلَى رِسْلِكَ يَا أَبَا بَكْرٍ، ثُمَّ قَالَ: اُنْظُرُوا هَذِهِ الْأَبْوَابَ اللَّافِظَةَ [3] فِي الْمَسْجِدِ، فَسُدُّوهَا إلَّا بَيْتَ أَبِي بَكْرٍ، فَإِنِّي لَا أَعْلَمُ أَحَدًا كَانَ أَفْضَلَ فِي الصُّحْبَةِ عِنْدِي يَدًا مِنْهُ. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَيُرْوَى: إلَّا بَابَ أَبِي بَكْرٍ.