وَأَتَوْنَا فِي مَنَازِلِنَا ... وَلَقَدْ كُنَّا أُولِي نَقِمَهْ

(قَسْمُ الْفَيْءِ) :

قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَلَمَّا فَرَغَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ رَدِّ سَبَايَا حُنَيْنٍ إلَى أَهْلِهَا، رَكِبَ، وَاتَّبَعَهُ النَّاسُ يَقُولُونَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، اقْسمْ علينا فيئنا مِنْ الْإِبِلِ وَالْغَنَمِ، حَتَّى أَلْجَئُوهُ إلَى شَجَرَةٍ، فَاخْتَطَفَتْ عَنْهُ رِدَاءَهُ، فَقَالَ: أَدُّوا عَلَيَّ رِدَائِي أيّها النّاس، فو الله أَنْ لَوْ كَانَ لَكُمْ بِعَدَدِ شَجَرِ تِهَامَةَ نَعَمًا لَقَسَمْتُهُ عَلَيْكُمْ، ثُمَّ مَا أَلْفَيْتُمُونِي بَخِيلًا وَلَا جَبَانًا وَلَا كَذَّابًا، ثُمَّ قَامَ إلَى جَنْبِ بَعِيرٍ، فَأَخَذَ وَبَرَةً مِنْ سَنَامِهِ، فَجَعَلَهَا بَيْنَ أُصْبُعَيْهِ، ثُمَّ رَفَعَهَا، ثُمَّ قَالَ: أَيُّهَا النَّاس، وَالله مَا لي مِنْ فَيْئِكُمْ وَلَا هَذِهِ الْوَبَرَةُ إلَّا الْخُمُسُ، وَالْخُمُسُ مَرْدُودٌ عَلَيْكُمْ. فَأَدُّوا الْخِيَاطَ وَالْمِخْيَطَ [1] ، فَإِنَّ الْغُلُولَ [2] يَكُونُ عَلَى أَهْلِهِ عَارًا وَنَارًا وَشَنَارًا [3] يَوْمَ الْقِيَامَةِ.

قَالَ: فَجَاءَ رَجُلٌ مِنْ الْأَنْصَارِ بِكُبَّةٍ مِنْ خُيُوطِ شَعَرٍ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَخَذْتُ هَذِهِ الْكُبَّةَ أَعْمَلُ بِهَا بَرْذَعَةَ بَعِيرٍ لِي دَبِرَ، فَقَالَ: أَمَّا نَصِيبِي مِنْهَا فَلَكَ! قَالَ: أَمَّا إذْ بَلَغَتْ هَذَا فَلَا حَاجَةَ لِي بِهَا، ثُمَّ طَرَحَهَا مِنْ يَدِهِ. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَذَكَرَ زَيْدُ بْنُ أَسْلَمَ، عَنْ أَبِيهِ: أَنَّ عَقِيلَ بْنَ أَبِي طَالِبٍ دَخَلَ يَوْمَ حُنَيْنٍ عَلَى امْرَأَتِهِ فَاطِمَةَ بِنْتِ شَيْبَةَ بْنِ رَبِيعَةَ، وَسَيْفُهُ مُتَلَطِّخٌ دَمًا، فَقَالَتْ: إنِّي قَدْ عَرَفْتُ أَنَّكَ قَدْ قَاتَلْتُ، فَمَاذَا أَصَبْتُ مِنْ غَنَائِمِ الْمُشْرِكِينَ؟ فَقَالَ:

دُونَكِ هَذِهِ الْإِبْرَةَ تَخِيطِينَ بِهَا ثِيَابَكَ، فَدَفَعَهَا إلَيْهَا، فَسَمِعَ مُنَادِيَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: مَنْ أَخَذَ شَيْئًا فَلْيَرُدَّهُ، حَتَّى الْخِيَاطَ وَالْمِخْيَطَ. فَرَجَعَ عَقِيلٌ، فَقَالَ: مَا أَرَى إبْرَتَكِ إلَّا قَدْ ذَهَبَتْ، فَأَخَذَهَا، فَأَلْقَاهَا فِي الْغَنَائِمِ.

(عَطَاءُ الْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ) :

قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَأَعْطَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمُؤَلَّفَةَ قُلُوبُهُمْ، وَكَانُوا أَشْرَافًا مِنْ أَشْرَافِ النَّاسِ، يَتَأَلَّفُهُمْ وَيَتَأَلَّفُ بِهِمْ قَوْمَهُمْ، فَأَعْطَى أَبَا سُفْيَانَ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015