قَالَ: أَفْعَلُ، قُلْتُ: فَإِنِّي وَاَللَّهِ لَقَدْ تَرَكْتُ ابْنَ أَخِيكَ عَرُوسًا عَلَى بِنْتِ مَلِكِهِمْ، يَعْنِي صَفِيَّةَ بِنْتَ حُيَيٍّ، وَلَقَدْ افْتَتَحَ خَيْبَرَ، وَانْتَثَلَ [1] مَا فِيهَا، وَصَارَتْ لَهُ وَلِأَصْحَابِهِ، فَقَالَ: مَا تَقُولُ يَا حَجَّاجُ؟ قَالَ: قُلْتُ: إِي وَاَللَّهِ، فَاكْتُمْ عَنِّي، وَلَقَدْ أَسْلَمْتُ وَمَا جِئْتُ إلَّا لِآخُذَ مَالِي، فَرَقًا مِنْ أَنْ أُغْلَبَ عَلَيْهِ، فَإِذَا مَضَتْ ثَلَاثٌ فَأَظْهِرْ أَمْرَكَ، فَهُوَ وَاَللَّهِ عَلَى مَا تُحِبُّ، قَالَ: حَتَّى إذَا كَانَ الْيَوْمُ الثَّالِثُ لَبِسَ الْعَبَّاسُ حُلَّةً لَهُ، وَتَخَلَّقَ [2] ، وَأَخَذَ عَصَاهُ، ثُمَّ خَرَجَ حَتَّى أَتَى الْكَعْبَةَ، فَطَافَ بِهَا، فَلَمَّا رَأَوْهُ قَالُوا: يَا أَبَا الْفَضْلِ، هَذَا وَاَللَّهِ التَّجَلُّدُ لِحَرِّ الْمُصِيبَةِ، قَالَ: كَلَّا، وَاَللَّهِ الَّذِي حَلَفْتُمْ بِهِ، لَقَدْ افْتَتَحَ مُحَمَّدٌ خَيْبَرَ وَتُرِكَ عَرُوسًا عَلَى بِنْتِ مَلِكِهِمْ، وَأَحْرَزَ أَمْوَالَهُمْ وَمَا فِيهَا فَأَصْبَحَتْ لَهُ وَلِأَصْحَابِهِ، قَالُوا: مَنْ جَاءَكَ بِهَذَا الْخَبَرِ؟ قَالَ: الَّذِي جَاءَكُمْ بِمَا جَاءَكُمْ بِهِ، وَلَقَدْ دَخَلَ عَلَيْكُمْ مُسْلِمًا، فَأَخَذَ مَالَهُ، فَانْطَلَقَ لِيَلْحَقَ بِمُحَمِّدِ وَأَصْحَابِهِ، فَيَكُونُ مَعَهُ، قَالُوا: يَا لِعِبَادِ اللَّهِ! انْفَلَتَ عَدُوُّ اللَّهِ، أَمَا وَاَللَّهِ لَوْ عَلِمْنَا لَكَانَ لَنَا وَلَهُ شَأْنٌ، قَالَ: وَلَمْ يَنْشَبُوا [3] أَنْ جَاءَهُمْ الْخَبَرُ بِذَلِكَ.
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَكَانَ مِمَّا قِيلَ مِنْ الشِّعْرِ فِي يَوْمِ خَيْبَرَ قَوْلُ حَسَّانَ بْنِ ثَابِتٍ:
بِئْسَمَا قَاتَلَتْ خَيَابِرُ عَمَّا ... جَمَعُوا مِنْ مَزَارِعَ وَنَخِيلِ [4]
كَرِهُوا الْمَوْتَ فَاسْتُبِيحَ حِمَاهُمْ ... وَأَقَرُّوا فِعْلَ اللَّئِيمِ الذَّلِيلِ
أَمِنْ الْمَوْتِ يهربون فإنّ ... الْمَوْت مَوْتَ الْهُزَالِ غَيْرُ جَمِيلِ
وَقَالَ حَسَّانُ بْنُ ثَابِتٍ أَيْضًا، وَهُوَ يَعْذِرُ أَيْمَنَ بْنِ أُمِّ أَيْمَنَ بْنِ عُبَيْدٍ، وَكَانَ قَدْ تَخَلَّفَ عَنْ خَيْبَرَ، وَهُوَ مِنْ بَنِي عَوْفِ بْنِ الْخَزْرَجِ، وَكَانَتْ أُمُّهُ أُمَّ أَيْمَنَ مَوْلَاةَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَهِيَ أُمُّ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ، فَكَانَ أَخَا أُسَامَةَ لِأُمِّهِ: