جَالِسٌ، وَكَاتِبُهُ بِحِذَائِه، فَقُلْنَا: نَحتَسِبُ وَنَتَقَدَّمُ إِلَيْهِ، وَيَدَّعِي أَحَدُنَا عَلَى الآخَرِ.
فَادَّعَيتُ أَنِّي سَمِعْتُ فِي كِتَابِ هَذَا وَلَيْسَ يُعِيْرُنِي سَمَاعِي، فَسَكَتَ سَاعَةً، ثُمَّ قَالَ: بِإِذنك سَمَّعَ فِي كِتَابِكَ؟
قَالَ: نَعَمْ.
قَالَ: فَأَعِرْهُ سَمَاعَه.
وَقَالَ الحَاكِمُ: سَمِعْتُ أَبِي يَقُوْلُ: كَانَ القَاضِي مُحَمَّدُ بنُ عَلِيٍّ المَرْوَزِيُّ طُولَ أَيَّامِه يَسْكُنُ دَارَ ابْنِ حَمْدُوْنَ بِحِذَاءِ دَارِنَا، وَكُنْتُ أَعرِفُهُ يَخِيطُ بِاللَّيْلِ - وَإِذَا تَفَرَّغَ بِالنَّهَارِ - لِلأَيتَامِ وَالضُّعَفَاءِ، وَيَعُدُّهَا صَدَقَةً.
سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بنَ عَبْدَانَ خَادِمَ الجَامِعِ يَقُوْلُ: كَانَ مُحَمَّدُ بنُ عَلِيٍّ الحَاكِمُ يَجِيْءُ فِي كُلِّ أُسْبُوْعٍ لَيْلَةً إِلَى الجَامِعِ، فَيَتَعَبَّدُ إِلَى الصَّبَاحِ مِنْ حَيْثُ لاَ يَعْرِفُ غَيْرِي، فَصَادَفتُهُ لَيْلَةً يَتلُو: (وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللهُ، فَأُوْلَئِكَ هُمُ الكَافرُوْنَ) [المَائِدَةُ:44] الآيَاتِ، وَكُلَّمَا تَلاَ آيَةً مِنْهَا، ضَرَبَ بِيَدِهِ عَلَى صَدْرِه ضَرْبَةً أَسْمَعُ صَوْتَهَا مِنْ شِدَّتِهِ - رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى -.
تُوُفِّيَ: بَعْدَ العِشْرِيْنَ وَثَلاَثِ مائَةٍ، وَلَهُ بِضْعٌ وَثَمَانُوْنَ سَنَةً.
قَاضِي القُضَاةِ بِمِصْرَ، أَبُو جَعْفَرٍ أَحْمَدُ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ مُسْلِمِ بنِ قُتَيْبَةَ البَغْدَادِيُّ، الكَاتِبُ.