اعتَرَاهُ، فَقَالَ لِي: تَعْرِفُ الحَسَنَ بنَ سُفْيَانَ وَأَصْحَابَهُ؟
قُلْتُ: لاَ.
قَالَ: اقصُدِ المَسْجَدَ الفلاَنِيَّ، وَاحمِلْ هَذِهِ الصُّرَرَ إِلَيْهِم، فَإِنَّهُم مُنْذُ ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ جِيَاعٌ، وَمَهِّدْ عُذْرِي لَدَيْهِم.
فَسَأَلْتُهُ، فَقَالَ: انفَرَدْتُ فَنِمْتُ، فَرَأَيْتُ فَارِساً فِي الهَوَاءِ، فِي يَدِهِ رُمْحٌ فَنَزَلَ إِلَى بَابِ هَذَا البَيْتِ، وَوَضَعَ سَافِلَةَ رُمْحِهِ عَلَى خَاصِرتِي وَقَالَ: قُمْ فَأَدْرِكِ الحَسَنَ بنَ سُفْيَانَ وَأَصْحَابَهُ، قُمْ فَأَدْرِكْهُمُ، فَإِنَّهُمْ مُنْذُ ثَلاَثٍ جِيَاعٌ فِي المَسْجَدِ الفُلاَنِيّ.
فَقُلْتُ لَهُ: مَنْ أَنْتَ؟
قَالَ: أَنَا رُضْوَانُ صَاحِبُ الجَنَّة.
فَمُنْذُ أَصَابَ رُمْحَهُ خَاصِرَتِي أَصَابنِي وَجَعٌ شَدِيدٌ فَعَجِّلْ إِيْصَالَ هَذَا المَالِ إِلَيْهِم لِيَزُوْلَ هَذَا الوَجَعُ عَنِّي.
قَالَ الحَسَنُ: فَعَجِبْنَا وَشَكَرْنَا اللهَ، وَخَرَجْنَا تِلْكَ اللَّيْلَة مِنْ مِصْرَ لِئَلاَّ نَشْتَهِرَ، وَأَصْبَحَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنَّا وَاحِدَ عَصْرِهِ، وَقَرِيْعَ دَهْرِهِ فِي العِلْمِ وَالفَضْلِ.
قَالَ: فَلَمَّا أَصْبَحَ الأَمِيْرُ طولُوْنَ فَأَحَسَّ بِخُرُوْجِنَا، أَمَرَ بَابْتِيَاعِ تِلْكَ المَحَلَّةِ، وَوَقَفَهَا عَلَى المَسْجَدِ وَعَلَى مَنْ يَنْزِلُ بِهِ مِنَ الغُرَبَاءِ وَأَهْلِ الفَضْلِ، نَفَقَةً لَهُم، لِئَلاَّ تَخْتَلَّ أُمُوْرُهُمْ، وَذَلِكَ كُلُّهُ مِنْ قُوَّةِ الدِّيْنِ وَصَفَاءِ العَقِيْدَةِ.
رَوَاهَا الحَافِظُ عَبْدُ الغَنِيِّ فِي الرَّابِعِ مِنَ الحِكَايَاتِ، عَنْ أَبِي زُرْعَةَ إِذْناً، عَنِ الحَسَنِ بنِ أَحْمَدَ السَّمَرْقَنْدِيِّ، عَنْ بِشْرُوَيْه، فَاللهُ أَعْلَمُ بِصِحَّتِهَا.
وَلَمْ يَلِ طُولُوْنَ مِصْرَ، وَأَمَّا ابْنُهُ أَحْمَدُ بنُ طُوْلُوْنَ فَيَصْغُرُ عَنِ الحِكَايَةِ، وَلاَ أَعْرِفُ نَاقِلَهَا، وَذَلِكَ مُمْكِنٌ.