انْصَرَفْتُ!

قَالَ ابْنُ المُعْتَزِّ: هَاتِ.

قَالَ: إِنَّ أَمِيْرَ المُؤْمِنِيْنَ المُقْتَدِرَ يَقُوْلُ: ارْجِعْ إِلَى مَنْزِلِكَ، وَأَبْقِ عَلَى نَفْسِكَ وَدَمِكَ، فَإِنِّي أُؤَمِّنُكَ، وَأُسَسِّي إِقْطَاعَكَ، فَلاَ تُلْهِبْ نَارَ الفِتْنَةِ.

فَقَالَ لِلْخَادِمِ: قُلْ لِمَولاَكَ يَا بُنَيَّ: هَذَا كِتَابِي إِلَيْكَ، فَاقْرَأْهُ، وَامْتَثِلْ مَا أَمَرْتُكَ فِيْهِ.

فَانْصَرَفَ الخَادِمُ بِالكِتَابِ، وَأَمَرَ ابْنُ المُعْتَزِّ ابْنَ حَمْدَانَ وَابْنَ عَمْرُوَيْه أَنْ يَصِيرَا إِلَى دَارِ المُقْتَدِرِ، فَبَرَزَ المَمَالِيْكُ المُقْتَدِرِيَّةُ، عَلَيْهِم مُؤْنِسٌ الخَادِمُ، وَغَرِيْبٌ الخَالُ، وَمُؤْنِسٌ الخَازِنُ، وَبَذَلُوا الأَمْوَالَ، فَالتَقَوْا هُمْ وَحِزْبُ ابْنِ المُعْتَزِّ، وَأَقْبَلَ ابْنُ حَمْدَانَ إِلَى بَابِ الحَلَبَةِ، فَرَمَتْهُ الأَترَاكُ، فَتَحَرَّجَ، وَانْهَزَمَ، وَرَمَتِ العَامَّةُ أَصْحَابَ ابْنِ المُعْتَزِّ مِنَ الأَسْطِحَةِ، فَضَجَّ أَصْحَابُ المُقْتَدِرِ، وَارْتَفَعَ التَّكْبِيرُ، وَقَصَدُوا ابْنَ المُعْتَزِّ، فَهَرَبَ مِنْ دَارِ ابْنِ وَهْبٍ، وَمَعَهُ جَمَاعَةٌ يُرِيدُوْنَ سَامَرَّاءَ.

قَالَ عُبَيْدُ اللهِ بنُ أَبِي طَاهِرٍ: ضَرَبَ ابْنُ حَمْدَانَ العَبَّاسَ، فَطَيَّرَ قَحْفَ رَأْسِهِ، ثُمَّ ثَنَّاهُ، فَسَقَطَ، ثُمَّ قَطَّعُوهُ.

وَقِيْلَ: شَدَّ مَمْلُوكُهُ عَلَى ابْنِ حَمْدَانَ، فَأَشَارَ ابْنُ حَمْدَانَ إِلَى خَاتَمٍ فِي يَدِهِ، وَقَالَ: هَذَا خَاتَمُ أَمِيْرِ المُؤْمِنِيْنَ، أَمَرَنِي بِقَتْلِ العَبَّاسِ.

فَكَفَّ المَمْلُوْكُ عَنْهُ.

وكَانَتْ وِزَارَةُ العَبَّاسِ أَرْبَعِ سِنِيْنَ وَنِصْفاً، وَعَاشَ نَيِّفاً وَأَرْبَعِيْنَ سَنَةً.

قُلْتُ: ثُمَّ اسْتَقَامَ أَمَرُ المُقْتَدِرِ، وَأَمْسَكَ جَمَاعَةً، وَأُهلِكُوا، وَعَفَا عَنِ الحُسَيْنِ بنِ حَمْدَانَ، وَاسْتَوْزَرَ ابْنَ الفُرَاتِ، وَقُتِلَ ابْنُ المُعْتَزِّ.

26 - الغَزِّيُّ الحَسَنُ بنُ الفَرَجِ *

الغَزِّيُّ، المُحَدِّثُ.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015