الحَارِثُ مَجْلِسَ المَأْمُوْنِ، جَعَلَ المَأْمُوْنُ يَقُوْلُ: يَا سَاعِي، يُرَدِّدُهَا -يَعْنِي: يَا مُرَافِعُ-.
قَالَ: وَاللهِ مَا أَنَا بِسَاعٍ، وَلَكِنِّي أُحْضِرْتُ، فَسَمِعْتُ، وَأَطَعْتُ، ثُمَّ سُئِلْتُ عَنْ أَمْرٍ، فَاسْتَعْفَيْتُ ثَلاَثاً، فَلَمْ أُعْفَ، فَكَانَ الحَقُّ آثَرَ عِنْدِي مِنْ غَيْرِهِ.
فَقَالَ المَأْمُوْنُ: هَذَا رَجُلٌ أَرَادَ أَنْ يُرْفَعَ لَهُ عَلَمٌ بِبَلَدِهِ، خُذْهُ إِلَيْكَ.
قَالَ أَحْمَدُ المُؤَدِّبُ: خَرَجَ المَأْمُوْنُ، وَأَخْرَجَ الحَارِثَ فِي سَنَةِ سَبْعَ عَشْرَةَ وَمائَتَيْنِ، وَخَرَجَتْ زَوْجَةُ الحَارِثِ، فَحَجَّتْ، وَذَهَبَتْ إِلَى العِرَاقِ.
قَالَ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ عَبْدِ الحَكَمِ: قَالَ لِيَ ابْنُ أَبِي دُوَادَ:
يَا أَبَا عَبْدِ اللهِ، لَقَدْ قَامَ حَارِثُكُمْ للهِ مَقَامَ الأَنْبِيَاءِ.
وَكَانَ ابْنُ أَبِي دُوَادَ إِذَا ذَكَرَهُ عَظَّمَهُ جِدّاً.
قَالَ أَبُو يَزِيْدَ القَرَاطِيْسِيُّ: فَأَقَامَ الحَارِثُ بِبَغْدَادَ سِتَّ عَشْرَةَ سَنَةً، وَأَطْلَقَهُ الوَاثِقُ فِي آخِرِ أَيَّامِهِ، فَرَجَعَ إِلَى مِصْرَ.
وَقَالَ ابْنُ قُدَيْدٍ: أَتَاهُ -يَعْنِي: الحَارِثَ- فِي سَنَةِ سَبْعٍ وَثَلاَثِيْنَ كِتَابُ تَوَلِّيِهِ القَضَاءَ وَهُوَ بِالإِسْكَنْدَرِيَّةِ، فَامْتَنَعَ، فَلَمْ يَزَلْ بِهِ إِخْوَانُهُ حَتَّى قَبِلَ، فَقَدِمَ مِصْرَ، فَجَلَسَ لِلْحُكْمِ، وَأَخْرَجَ أَصْحَابَ أَبِي حَنِيْفَةَ وَالشَّافِعِيِّ مِنَ المَسْجَدِ، وَأَمَرَ بِنَزْعِ حُصُرِهِم مِنَ العُمُدِ، وَقَطَعَ عَامَّةَ المُؤَذِّنِيْنَ مِنَ الأَذَانِ، وَأَصْلَحَ سَقْفَ المَسْجِدِ، وَبَنَى السِّقَايَةَ، وَلاَعَنَ بَيْنَ رَجُلٍ وَامْرَأَتَهُ، وَمَنَعَ مِنَ النِّدَاءِ عَلَى الجَنَائِزِ، وضَرَبَ الحَدَّ فِي سَبِّ عَائِشَةَ أُمِّ المُؤْمِنِيْنَ، وَقَتَلَ سَاحِرَيْنِ.
عَنِ الحَسَنِ بنِ عَبْدِ العَزِيْزِ الجَرَوِيِّ: أَنَّ رَجُلاً كَانَ مُسْرِفاً عَلَى نَفْسِهِ، فَمَاتَ، فَرُئِيَ فِي النَّوْمِ، فَقَالَ: إِنَّ اللهَ غَفَرَ لِيَ بِحُضُوْرِ الحَارِثِ بنِ مِسْكِيْن جِنَازَتِي، وَإِنَّهُ اسْتَشْفَعَ لِيَ، فَشُفِّعَ فِيَّ.