إِضَاقَةً فِي ثَمَنِ ضَيْعَةٍ، فَوَصَلَنِي بِعِشْرِيْنَ أَلْفاً.
وجَلَسَ مَرَّةً لِلَّهْوِ، فَرَأَى فِي بَعْضِ البُسُطِ دَائِرَةً فِيْهَا فَارِسٌ عَلَيْهِ تَاجٌ، وَحَوْلَهُ كِتَابَةٌ فَارِسِيَّةٌ (?) ، فَطَلَبَ مَنْ يَقْرَأ، فَأُحْضِرَ رَجُلٌ، فَنَظَرَ، فَإِذَا فِيْهَا: ... فَقَطَّبَ وَسكَتَ، وَقَالَ: لاَ مَعْنَى لَهُ، فَأَلَحَّ المُنْتَصِرُ عَلَيْهِ، قَالَ فِيْهَا: أَنَا شِيْرَوَيْه بنُ كِسْرَى بنِ هِرْمِز، قَتَلْتُ أَبِي، فَلَمْ أُمَتَّعْ بِالمُلْكِ سِوَى سِتَّةِ أَشْهُرٍ.
قَالَ: فَتَغَيَّرَ وَجْهُ المُنْتَصِرِ، وَقَامَ (?) .
قَالَ جَعْفَرُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ: قَالَ لِي المُنْتَصِرُ: يَا جَعْفَرُ، لَقَدْ عُوْجِلْتُ، فَمَا أُذنِي بِأُذُنِي (?) ، وَلاَ أُبْصِرُ بِعَيْنِي.
قُلْتُ: قَلَّ مَا وَقَعَ فِي دَوْلَتِهِ مِنَ الحَوَادِثِ لِقِصَرِ المُدَّةِ، وَعَاشَ سِتّاً وَعِشْرِيْنَ سَنَةً - سَامَحَهُ اللهُ -.
وَمَاتَ: فِي خَامَسِ رَبِيْعٍ الآخِرِ، سَنَةَ ثَمَانٍ وَأَرْبَعِيْنَ وَمائَتَيْنِ، فَكَانَتْ خِلاَفَتَهُ سِتَّةَ أَشْهُرٍ وَأَيَّاماً.
وَكَانَ قَدْ أَبْعَدَ وَصِيْفاً فِي عَسْكَرٍ إِلَى ثَغْرِ الرُّوْمِ، وَكَانَ قَدْ أَلَحَّ عَلَيْهِ هُوَ، وَبُغَا، وَابْنُ الخَصِيْبِ فِي خَلْعِ إِخْوَتِهِ خَوْفاً مِنْ أَنْ يَلِيَ المُعْتَزُّ، فَيَسْتَأَصِلُهُم، فَاعْتُقِلا، وَتَمَنَّعَ أَوَّلاً المُعْتَزُّ، ثُمَّ خَافَ، وَأَشْهَدَا عَلَى أَنْفُسِهِمَا أَنَّهُمَا يَعْجِزَانِ عَنِ الإِمَامَةِ.
فَقَالَ المُنْتَصِرُ: أَتَرَيَانِي خَلَعْتُكُمَا طَمَعاً فِي أَنْ أَعِيْشَ بَعَدَكُمَا حَتَّى يَكْبُرَا بَنِي عَبْدِ الوَهَّابِ، وَأَعْهَدَ إِلَيْهِ؟! وَاللهِ مَا طَمِعْتُ فِي ذَلِكَ، وَلَكِنْ هَؤُلاَءِ أَلَحُّوا عَليَّ، وَخِفْتُ عَلَيْكُمَا مِنَ القَتْلِ.
فَقَبَّلا يَدَهُ، وضَمَّهُمَا إِلَيْهِ.