قُنْبَرَةٌ (?) عَمْيَاءُ سَقَطَتْ مِنْ وَكْرٍ، فَانْشَقَّتِ الأَرْضُ، فَخَرَجَ مِنْهَا سُكُرُّجَتَانِ ذَهَبٌ وَفِضَّةٌ، فِي إِحْدَاهُمَا سِمْسِمٌ، وَفِي الأُخْرَى مَاءٌ، فَأَكَلَتْ، وَشَرِبَتْ، فَقُلْتُ: حَسْبِي.
فَتُبْتُ (?) ، وَلَزِمْتُ البَابَ، إِلَى أَنْ قَبِلَنِي.
قَالَ السُّلَمِيُّ (?) فِي (مِحَنِ الصُّوْفِيَّةِ) : ذُو النُّوْنِ أَوَّلُ مَنْ تَكَلَّمَ بِبَلْدَتهِ فِي تَرْتِيْبِ الأَحْوَالِ، وَمَقَامَاتِ الأَوْلِيَاءِ، فَأَنْكَرَ عَلَيْهِ عَبْدُ اللهِ بنُ عَبْدِ الحَكَمِ، وَهَجَرَهُ عُلَمَاءُ مِصْرَ، وَشَاعَ أَنَّهُ أَحْدَثَ عِلْماً لَمْ يَتَكَلَّمْ فِيْهِ السَّلَفُ وَهَجَرُوْهُ حَتَّى رَمَوْهُ بِالزَّنْدَقَةِ.
فَقَالَ أَخُوْهُ: إِنَّهُم يَقُوْلُوْنَ: إِنَّكَ زِنْدِيْقٌ، فَقَالَ:
وَمَا لِي سِوَى الإِطْرَاقِ وَالصَّمْتِ حِيْلَةٌ ... وَوَضْعِيَ كَفِّي تَحْتَ خَدِّي وَتَذْكَارِي
قَالَ: وَقَالَ مُحَمَّدُ بنُ الفَرْخِيِّ: كُنْت مَعَ ذِي النُّوْنِ فِي زَوْرَقٍ، فَمَرَّ بِنَا زَوْرَقٌ آخَرُ، فَقِيْلَ لِذِي النُّوْنِ: إِنَّ هَؤُلاَءِ يَمُرُّوْنَ إِلَى السُّلْطَانِ يَشْهَدُوْنَ عَلَيْكَ بِالكُفْرِ.
فَقَالَ: اللَّهُمَّ إِنْ كَانُوا كَاذِبِيْنَ، فَغَرِّقْهُم.
فَانْقَلَبَ الزَّوْرَقُ، وَغَرِقُوا، فَقُلْتُ لَهُ: فَمَا بَالُ المَلاَّحِ؟
قَالَ: لِمَ حَمَلَهُم وَهُوَ يَعلَمُ قَصْدَهُم؟ وَلأَنْ يَقِفُوا بَيْنَ يَدَيِ اللهِ غَرْقَى، خَيْرٌ لَهُم مِنْ أَنْ يَقِفُوا شُهُوْدَ زُوْرٍ.
ثُمَّ انْتَفَضَ، وَتَغَيَّر، وَقَالَ: وَعِزَّتِكَ لاَ أَدْعُو عَلَى أَحَدٍ بَعْدَهَا.
ثُمَّ دَعَاهُ أَمِيْرُ مِصْرَ، وَسَأَلَهُ عَنِ اعْتِقَادِهِ، فَتَكَلَّمَ، فَرَضِيَ أَمْرَهُ، وَطَلَبَهُ المُتَوَكِّلُ، فَلَمَّا سَمِعَ كَلاَمَه، وَلِعَ بِهِ، وَأَحَبَّهُ، وَكَانَ يَقُوْلُ: إِذَا ذُكِرَ الصَّالِحُوْنَ، فَحَيَّ هَلاَ بِذِي النُّوْنِ.