فِي قِرَاءتِهِ مِنْ جَمَاعَةٍ مِنَ الكِبَارِ، وَلَمْ يَجْرِ مِثْلُ ذَلِكَ لِلْحَضْرَمِيِّ أَبَداً، حَتَّى نَشَأَ طَائِفَةٌ مُتَأَخِّرُوْنَ لَمْ يَأْلَفُوهَا، وَلاَ عَرَفُوهَا، فَأَنْكَرُوهَا - وَمَنْ جَهِلَ شَيْئاً، عَادَاهُ - قَالُوا: لَمْ تَتَّصِلْ بِنَا مُتَوَاتِرَةً.

قُلْنَا: اتَّصَلَتْ بِخَلْقٍ كَثِيْرٍ مُتَوَاتِرَةً، وَلَيْسَ مِنْ شَرْطِ التَّوَاتُرِ أَنْ يَصِلَ إِلَى الأُمَّةِ، فَعِنْدَ القُرَّاءِ أَشْيَاءُ مُتَوَاتِرَةٌ دُوْنَ غَيْرِهِم، وَعِنْدَ الفُقَهَاءِ مَسَائِلُ مُتَوَاتِرَةٌ عَنْ أَئِمَّتِهِمْ لاَ يَدْرِيْهَا القُرَّاءُ، وَعِنْدَ المُحَدِّثِيْنَ أَحَادِيْثُ مُتَوَاتِرَةٌ قَدْ لاَ يَكُوْنُ سَمِعَهَا الفُقَهَاءُ، أَوْ أَفَادَتْهُم ظَنّاً فَقَطْ، وَعِنْدَ النُّحَاةِ مَسَائِلُ قَطْعِيَّةٌ، وَكَذَلِكَ اللُّغَوِيُّونَ، وَلَيْسَ مَنْ جَهِلَ عِلْماً حُجَّةً عَلَى مَنْ عَلِمَهُ، وَإِنَّمَا يُقَالُ لِلْجَاهِلِ: تَعَلَّمْ، وَسَلْ أَهْلَ العِلْمِ إِنْ كُنْتَ لاَ تَعْلَمُ، لاَ يُقَالُ لِلْعَالِمِ: اجْهَلْ مَا تَعْلَمُ، رَزَقَنَا اللهُ وَإِيَّاكُم الإِنْصَافَ، فَكَثِيْرٌ مِنَ القِرَاءَاتِ تَدَّعُوْنَ تَوَاتُرَهَا، وَبِالجَهْدِ أَنْ تَقْدِرُوا عَلَى غَيْرِ الآحَادِ فِيْهَا، وَنَحْنُ نَقُوْلُ: نَتْلُو بِهَا، وَإِنْ كَانَتْ لاَ تُعْرَفُ إِلاَّ عَنْ وَاحِدٍ؛ لِكَوْنِهَا تُلُقِّيَتْ بِالقَبُولِ، فَأَفَادَتِ العِلْمَ، وَهَذَا وَاقِعٌ فِي حُرُوْفٍ كَثِيْرَةٍ، وَقِرَاءَاتٍ عَدِيْدَةٍ، وَمَنِ ادَّعَى تَوَاتُرَهَا، فَقَدْ كَابَرَ الحِسَّ (?) ، أَمَّا القُرْآنُ العَظِيْمُ - سُوَرُهُ وَآيَاتُهُ - فَمُتَوَاتِرٌ - وَللهِ الحَمْدُ - مَحْفُوْظٌ مِنَ الله -تَعَالَى- لاَ يَسْتَطِيعُ أَحَدٌ أَنْ يُبَدِّلَهُ، وَلاَ يَزِيْدَ فِيْهِ آيَةً، وَلاَ جُمْلَةً مُسْتَقِلَّةً، وَلَوْ فَعَلَ ذَلِكَ أَحَدٌ عَمْداً، لاَنْسَلَخَ مِنَ الدِّيْنِ.

قَالَ اللهُ -تَعَالَى-: {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ، وَإِنَّا لَهُ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015