وَتَتْعَبُ فِيْمَا سَوْفَ تَكْرَهُ غِبَّهُ ... كَذَلِكَ فِي الدُّنْيَا تَعِيْشُ البَهَائِمُ (?)

قَالَ يَحْيَى بنُ سَعِيْدٍ القَطَّانُ: مَا رَأَيتُ مِثْلَ مِسْعَرٍ، كَانَ مِنْ أَثْبَتِ النَّاسِ.

وَقَالَ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ: كُنَّا إِذَا اخْتَلَفْنَا فِي شَيْءٍ، أَتَيْنَا مِسْعَراً.

قَالَ أَبُو أُسَامَةَ: سَمِعْتُ مِسْعَراً يَقُوْلُ:

إِنَّ هَذَا الحَدِيْثَ يَصُدُّكُم عَنْ ذِكْرِ اللهِ، وَعَنِ الصَّلاَةِ، فَهَلْ أَنْتُم مُنْتَهُوْنَ؟

قُلْتُ: هَذِهِ مَسْأَلَةٌ مُخْتَلَفٌ فِيْهَا: هَلْ طَلَبُ العِلْمِ أَفْضَلُ، أَوْ صَلاَةُ النَّافِلَةِ وَالتِّلاَوَةُ وَالذِّكرُ؟ فَأَمَّا مَنْ كَانَ مُخلِصاً للهِ فِي طَلَبِ العِلمِ، وَذِهنُه جَيِّدٌ، فَالعِلْمُ أَوْلَى، وَلَكِنْ مَعَ حَظٍّ مِنْ صَلاَةٍ وَتَعَبُّدٍ، فَإِنْ رَأَيتَه مُجِدّاً فِي طَلَبِ العِلْمِ لاَ حظَّ لَهُ فِي القُرُبَاتِ، فَهَذَا كَسلاَنُ مَهِيْنٌ، وَلَيْسَ هُوَ بِصَادِقٍ فِي حُسنِ نِيَّتِه، وَأَمَّا مَنْ كَانَ طَلَبُه الحَدِيْثَ وَالفِقْهَ غِيَّةً وَمَحبَّةً نَفْسَانِيَّةً، فَالعِبَادَةُ فِي حَقِّه أَفْضَلُ، بَلْ مَا بَيْنَهُمَا أَفْعَلُ تَفْضِيلٍ، وَهَذَا تَقسِيْمٌ فِي الجُمْلَةِ، فَقَلَّ -وَاللهِ- مَنْ رَأَيتُه مُخلِصاً فِي طَلَبِ العِلْمِ.

دَعْنَا مِنْ هَذَا كُلِّه، فَلَيْسَ طَلَبُ الحَدِيْثِ اليَوْمَ عَلَى الوَضعِ المُتَعَارَفِ مِنْ حَيِّزِ طَلَبِ العِلْمِ، بَلْ اصْطِلاَحٌ وَطَلَبُ أَسَانِيْدَ عَالِيَةٍ، وَأَخْذٌ عَنْ شَيْخٍ لاَ يَعِي، وَتَسمِيْعٌ لِطِفلٍ يَلْعَبُ وَلاَ يَفْهَمُ، أَوْ لِرَضِيعٍ يَبْكِي، أَوْ لِفَقِيْهٍ يَتَحَدَّثُ مَعَ حَدَثٍ، أَوْ آخَرَ يَنسَخُ.

وَفَاضِلُهُم مَشْغُوْلٌ عَنِ الحَدِيْثِ بِكِتَابَةِ الأَسْمَاءِ أَوْ بِالنُّعَاسِ، وَالقَارِئُ إِنْ كَانَ لَهُ مُشَارَكَةٌ، فَلَيْسَ عِنْدَهُ مِنَ الفَضِيْلَةِ أَكْثَرَ مِنْ قِرَاءةِ مَا فِي الجُزْءِ، سَوَاءٌ تَصَحَّفَ عَلَيْهِ الاسْمُ، أَوِ اخْتَبَطَ المَتْنُ، أَوْ كَانَ مِنَ المَوْضُوْعَاتِ.

فَالعِلْمُ عَنْ هَؤُلاَءِ بِمَعْزِلٍ، وَالعَمَلُ لاَ أَكَادُ أَرَاهُ، بَلْ أَرَى أُمُوْراً سَيِّئَةً - نَسْأَلُ اللهَ العَفْوَ -.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015