وَلَكِنَّهُ كَانَ رَجُلاً كَرِيْماً، يَجلِسُ إِلَيْهِ كُلُّ أَحَدٍ وَيَغشَاهُ، فَلاَ يَطرُدُهُ، وَلاَ يَقُوْلُ لَهُ شَيْئاً، وَإِنْ مَرِضَ، عَادَهُ، فَكَانُوا يَتَّهِمُونَه بِالقَدَرِ لِهَذَا وَشِبْهِهِ.
قُلْتُ: كَانَ حَقُّهُ أَنْ يَكْفَهِرَّ فِي وُجُوْهِهِم، وَلَعَلَّهُ كَانَ حَسَنَ الظَّنِّ بِالنَّاسِ.
ثُمَّ قَالَ الوَاقِدِيُّ تِلْمِيْذُهُ: وَكَانَ يُصَلِّي اللَّيْلَ أَجْمَعَ، وَيَجْتَهِدُ فِي العِبَادَةِ، وَلَوْ قِيْلَ لَهُ: إِنَّ القِيَامَةَ تَقُوْمُ غَداً، مَا كَانَ فِيْهِ مَزِيْدٌ مِنَ الاجْتِهَادِ.
أَخْبَرَنِي أَخُوْهُ، قَالَ: كَانَ أَخِي يَصُوْمُ يَوْماً وَيُفْطِرُ يَوْماً، ثُمَّ سَرَدَ الصَّوْمَ، وَكَانَ شَدِيْدَ الحَالِ (?) ، يَتَعَشَّى الخُبْزَ وَالزَّيْتَ، وَلَهُ قَمِيْصٌ وَطَيْلَسَانُ يَشْتُو فِيْهِ وَيَصِيْفُ.
قَالَ: وَكَانَ مِنْ رِجَالِ النَّاسِ (?) صَرَامَةً، وَقَوْلاً بِالحَقِّ، وَكَانَ يَحفَظُ حَدِيْثَهُ، لَمْ يَكُنْ لَهُ كِتَابٌ، وَكَانَ يَرُوحُ إِلَى الجُمُعُةِ بَاكِراً، فَيُصَلِّي إِلَى أَنْ يَخْرُجَ الإِمَامُ، وَرَأَيتُهُ يَأْتِي دَارَ أَجْدَادِهِ عِنْدَ الصَّفَا، فَيَأْخُذُ كِرَاءهَا، وَكَانَ لاَ يُغَيِّرُ شَيْبَهُ.
وَلَمَّا خَرَجَ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ حَسَنٍ (?) ، لَزِمَ بَيْتَه إِلَى أَنْ قُتِلَ مُحَمَّدٌ، وَكَانَ أَمِيْرُ المَدِيْنَةِ الحَسَنُ بنُ زَيْدٍ يُجْرِي عَلَى ابْنِ أَبِي ذِئْبٍ كُلَّ شَهْرٍ خَمْسَةَ دَنَانِيْرَ، وَقَدْ دَخَلَ مَرَّةً عَلَى وَالِي المَدِيْنَةِ، فَكَلَّمَه، وَهُوَ عَبْدُ الصَّمَدِ بنُ عَلِيٍّ عَمُّ المَنْصُوْرِ، فَكَلَّمَه فِي شَيْءٍ.
فَقَالَ عَبْدُ الصَّمَدِ بنُ عَلِيٍّ: إِنِّيْ لأَرَاكَ مُرَائِياً.
فَأَخَذَ عُوْداً، وَقَالَ: مَنْ أُرَائِي، فَوَاللهِ لَلنَّاسُ عِنْدِي أَهَوْنُ مِنْ هَذَا.
وَلَمَّا وَلِيَ المَدِيْنَةَ جَعْفَرُ بنُ سُلَيْمَانَ، بَعَثَ إِلَى ابْنِ أَبِي ذِئْبٍ بِمائَةِ دِيْنَارٍ، فَاشْتَرَى مِنْهَا سَاجاً (?) كُرْدِيّاً بِعَشْرَةِ دَنَانِيْرَ، فَلَبِسَه عُمُرَهُ، وَقَدِمَ بِهِ عَلَيْهِم بَغْدَادَ،