إِلَى المِنْبَرِ، وَأَخْبَرَهُم بِيَمِيْنِهِ مِنْ حِصَارِهِ القُسْطَنْطِيْنِيَّةَ: فَانْفِرُوا عَلَى بَرَكَةِ اللهِ، وَعَلَيْكُم بِتَقْوَى اللهِ، ثُمَّ الصَّبْرَ الصَّبْرَ.

وَسَارَ حَتَّى نَزَلَ بِدَابِقٍ (?) ، وَسَارَ مَسْلَمَةُ، وَأَخَذَ مَعَهُ أَليُوْنَ الرُّوْمِيَّ المَرْعَشِيَّ لِيَدُلَّهُ عَلَى الطَّرِيْقِ وَالعُوَارِ، وَأَخَذَ مِيْثَاقَهُ عَلَى المُنَاصَحَةِ إِلَى أَنْ عَبَرُوا الخَلِيْجَ، وَحَاصَرُوا قُسْطَنْطِيْنِيَّةَ إِلَى أَنْ بَرَّحَ بِهِمُ الحِصَارُ، وَعَرَضَ أَهْلُهَا الفِدْيَةَ، فَأَبَى مَسْلَمَةُ إِلاَّ أَنَّ يَفْتَحَهَا عَنْوَةً.

قَالُوا: فَابْعَثْ إِلَيْنَا أَلْيُوْنَ، فَإِنَّهُ مِنَّا، وَيَفْهَمُ كَلاَمَنَا.

فَبَعَثَهُ، فَغَدَرَ، وَقَالَ: إِنْ مَلَّكْتُمُوْنِي، أَمِنْتُم.

فَمَلَّكُوْهُ، فَخَرَجَ، وَقَالَ: قَدْ أَجَابُوْنِي أَنْ يَفْتَحُوْهَا، لَكِنْ لاَ يَفْتَحُوْنَهَا حَتَّى تَتَنَحَّى عَنْهُم.

قَالَ: أَخْشَى غَدْرَكَ.

فَحَلَفَ لَهُ أَنْ يَدْفَعَ إِلَيْهِ كُلَّ مَا فِيْهَا مِنْ سَبْيٍ وَمَالٍ، فَانْتَقَلَ مَسْلَمَةُ، وَدَخَلَ أَلْيُوْنُ - لَعَنَهُ اللهُ - فَلَبِسَ التَّاجَ، وَأَمَرَ بِنَقْلِ العُلُوْفَاتِ مِنْ خَارِجٍ.

فَمَلَؤُوا الأَهْرَاءَ (?) ، وَجَاءَ الصَّرِيْخُ إِلَى مَسْلَمَةَ، فَكَبَّرَ بِالجَيْشِ، فَأَدْرَكَ شَيْئاً مِنَ العُلُوْفَاتِ، فَغَلَّقُوا الأَبْوَابَ دُوْنَهُ، فَبَعَثَ إِلَى أَلْيُوْنَ يُنَاشِدُهُ عَهْدَهُ، فَأَرْسَلَ إِلَيْهِ أَلْيُوْنُ يَقُوْلُ: مُلْكُ الرُّوْمِ لاَ يُبَاعُ بِالوَفَاءِ.

وَنَزَلَ مَسْلَمَةُ بِفِنَائِهَا ثَلاَثِيْنَ شَهْراً حَتَّى أَكَلَ النَّاسُ فِي المُعَسْكَرِ المَيْتَةَ وَالعَذِرَةَ مِنَ الجُوْعِ، هَذَا وَفِي وَسَطِ المُعَسْكَرِ عُرْمَةُ حِنْطَةٍ مِثْلُ الجَبَلِ، يَغْبِطُوْنَ بِهَا الرُّوْمَ.

قَالَ مُحَمَّدُ بنُ زِيَادٍ الأَلْهَانِيُّ: غَزَوْنَا القُسْطَنْطِيْنِيَّةَ، فَجُعْنَا حَتَّى هَلَكَ نَاسٌ كَثِيْرٌ، فَإِنْ كَانَ الرَّجُلُ يَخْرُجُ إِلَى قَضَاءِ الحَاجَةِ وَالآخَرُ يَنْظُرُ إِلَيْهِ، فَإِذَا قَامَ، أَقْبَل ذَاكَ عَلَى رَجِيْعِهِ، فَأَكَلَهُ، وَإِنْ كَانَ الرَّجُلُ لَيَذْهَبُ إِلَى الحَاجَةِ، فَيُؤْخَذُ وَيُذْبَحُ وَيُؤْكَلُ، وَإِنَّ الأَهْرَاءَ مِنَ الطَّعَامِ كَالتِّلاَلِ لاَ نَصِلُ إِلَيْهَا، نُكَايِدُ بِهَا أَهْلَ القُسْطَنْطِيْنِيَّةِ.

فَلَمَّا اسْتُخْلِفَ عُمَرُ بنُ عَبْدِ العَزِيْزِ، أَذِنَ لَهُم فِي التَّرَحُّلِ عَنْهَا.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015