عِنْدنَا ابْنُ دِحْيَةَ، فَكَانَ يَقُوْلُ: أَحْفَظُ (صَحِيْحَ مُسْلِمٍ) وَ (التِّرْمِذِيَّ) .

قَالَ: فَأَخَذتُ خَمْسَةَ أَحَادِيْثَ مِنَ التِّرْمِذِيِّ، وَخَمْسَةً مِنَ (المُسْنَدِ) وَخَمْسَةً مِنَ المَوْضُوْعَاتِ، فَجَعَلْتُهَا فِي جُزْءٍ، ثُمَّ عَرَضتُ عَلَيْهِ حَدِيْثاً مِنَ التِّرْمِذِيِّ، فَقَالَ: لَيْسَ بِصَحِيْحٍ، وَآخَرَ، فَقَالَ: لاَ أَعْرِفُهُ، وَلَمْ يَعرِفْ مِنْهَا شَيْئاً!

وَقَالَ ابْنُ وَاصِلٍ الحَمَوِيّ: كَانَ ابْنُ دِحْيَةَ - مَعَ فَرطِ مَعْرِفَته بِالحَدِيْثِ وَحِفْظِهِ الكَثِيْرِ لَهُ - مُتَّهَماً بِالمُجَازفَةِ فِي النَّقلِ، وَبَلَغَ ذَلِكَ الْملك الكَامِل، فَأَمره أَنْ يُعلِّقَ شَيْئاً عَلَى كِتَابِ الشِّهَابِ، فَعلَّقَ كِتَاباً تَكَلَّمَ فِيْهِ عَلَى أَحَادِيْثِه وَأَسَانِيْدِهِ، فَلَمَّا وَقَفَ الكَامِلُ عَلَى ذَلِكَ، خَلاَّهُ أَيَّاماً، وَقَالَ: ضَاعَ ذَاكَ الكِتَابُ، فَعَلِّقْ لِي مِثْلَهُ.

فَفَعَلَ، فَجَاءَ الثَّانِي فِيْهِ مُنَاقضَةٌ لِلأَوَّلِ، فَعَلِمَ السُّلْطَانُ صِحَّةَ مَا قِيْلَ عَنْهُ، وَنَزَلت مَرْتَبَتُهُ عِنْدَهُ، وَعَزلَهُ مِنْ دَارِ الحَدِيْثِ الَّتِي أَنْشَأَهَا آخِراً، وَوَلاَّهَا أَخَاهُ أَبَا عَمْرٍو (?) .

قَرَأْت بِخَطِّ ابْنِ مَسْدِيٍّ فِي (مُعْجَمِهِ) ، قَالَ:

كَانَ وَالِدُ ابْنِ دِحْيَةَ تَاجراً يُعرَفُ بِالكَلْبِيِّ - بَيْنَ الفَاء وَالبَاء - وَهُوَ اسْمُ مَوْضِعٍ بِدَانِيَةَ، وَكَانَ أَبُو الخَطَّابِ أَوَّلاً يَكتبُ: الكَلْبِيّ مَعاً، إِشَارَةً إِلَى المَكَانِ وَالنَّسَبِ، وَإِنَّمَا كَانَ يُعرف بِابْنِ الجُمَيِّلِ؛ تَصَغِيْرُ جَمَلٍ.

قَالَ: وَكَانَ أَبُو الخَطَّابِ عَلاَّمَةَ زَمَانِه، وَقَدْ وَلِيَ أَوَّلاً قَضَاءَ دَانِيَةَ.

قُلْتُ: وَذَكَرَ أَنَّ سَبَبَ عَزْلِ ابْنِ دِحْيَةَ أَنَّهُ خَصَى مَمْلُوْكاً لَهُ، فَغَضِبَ الْملك، وَهَرَبَ ابْنُ دِحْيَةَ.

وَلفظ ابْن مَسْدِيٍّ، قَالَ: كَانَ مَمْلُوْكٌ يُسَمَّى

طور بواسطة نورين ميديا © 2015