وَفِي أَوَّلِ سَنَةِ 616: خرَّبَ أَسوَارَ القُدْسِ المُعَظَّم خَوْفاً مِنْ تَملُّكِ الفِرَنْجِ، وَهجَّ النَّاسُ مِنْهُ عَلَى وُجُوْهِهِم، وَكَانَ يَوْمَئِذٍ أَحصنَ مَا يَكُوْنُ وَأَعمرَهُ، وَذَاكَ لأَنَّه كَانَ فِي نَجدَةِ أَخِيْهِ عَلَى دِمْيَاطَ، وَسَمِعَ أَنَّ الفِرَنْجَ عَلَى قصْدِهِ، وَكَانَ بِهِ أَخُوْهُ الملكُ العَزِيْزُ وَعزُّ الدِّينِ أَيْبَكُ صَاحِبُ صَرْخَدَ، فَشرعُوا فِي هَدْمِهِ، وَتَمَزَّقَ أَهْلُهُ، وَتعثَّرُوا، وَنَهَبُوا، وَبِيْعَ رَطْلُ النُّحَاسِ بنِصْفٍ، وَالزَّيْتُ عَشْرَةُ أَرطَالٍ بِدِرْهَمٍ وَنَحْوِ ذَلِكَ.

قَالَ ابْنُ الأَثِيْرِ (?) : لَمَّا أَخذَتِ الفِرَنْجُ برجُ السِّلْسِلَةِ، عَمِلَ الكَامِلُ عَلَى النِّيلِ جِسْراً عَظِيْماً، فَالتحَمَ القِتَالُ حَتَّى قطعَتْهُ الفِرَنْجُ، فَعمدَ الكَامِلُ إِلَى عِدَّةِ مَرَاكِبَ، وَملأَهَا حجَارَةً وَغَرَّقَهَا فِي المَاءِ ليمنَعَ مَرْكَباً مِنْ سُلُوْكٍ، فَحَفَرَتِ الفِرَنْجُ خَلِيْجاً وَأَخَّرُوهُ، وَأَدخلُوا مَرَاكِبَهُم مِنْهُ، حَتَّى دَخَلُوا بُورَةً، وَحَاذَوُا الكَامِلَ، وَقَاتَلُوْهُ مَرَّاتٍ فِي المَاءِ، وَلَمْ يَتغَيَّرْ عَنْ أَهْلِ دِمْيَاطَ شَيْءٌ، لأَنَّ المِيْرَةَ وَاصِلَةٌ إِلَيْهِم، وَمَاتَ العَادلُ، فَهَمَّ جَمَاعَةٌ (?) بِتَملِيكِ الفَائِزِ بِمِصْرَ، فَبَادرَ الكَامِلُ وَأَصْبَحَ الجَيْشُ فِي خَبْطَةٍ، وَقَدْ فَقَدُوا الكَامِلَ، فَشدَّتِ الفِرَنْجُ عَلَى دِمْيَاطَ، وَأَخَذُوا بَرَّهَا بِلاَ كُلْفَةٍ، وَلَوْلاَ لُطْفُ اللهِ وَقُدومُ المُعَظَّم بَعْدَ يَوْمَيْنِ لَرَاحتْ مِصْرُ، فَفَرحَ بِهِ الكَامِلُ، وَبعثَوا عِمَادَ الدِّيْنِ أَحْمَدَ بنَ المَشْطُوْبِ الَّذِي سَعَى لِلْفَائِزِ إِلَى الشَّامِ، وَتَمَادَى حِصَارُ الفِرَنْجِ لدِمْيَاطَ، وَصَبَرَ أَهْلُهَا صَبْراً عَظِيْماً، وَقُتِلَ مِنْهُم خلقٌ، وَقَلُّوا وَجَاعُوا، فَسلَّمُوهَا بِالأَمَانِ (?) ، فَحَصَّنَهَا العَدُوُّ، وَأَشرفَ النَّاسُ عَلَى خِطَّةٍ صَعْبَةٍ، وَهَمَّ أَهْلُ مِصْرَ بِالجلاَءِ، وَأُخِذَتْ فِي شَعْبَانَ سَنَةَ سِتَّ عَشْرَةَ، وَدَامَ الكَامِلُ مُرَابِطاً إِلَى سَنَةِ ثَمَانِي عَشْرَةَ (?) ، وَأَقْبَلَ الأَشْرَفُ مُنْجِداً

طور بواسطة نورين ميديا © 2015