قَالَ ابْنُ النَّجَّارِ: دَانت لِلنَاصِر السَّلاَطِيْن، وَدَخَلَ تَحْتَ طَاعته المخَالفُوْنَ، وَذلَّت لَهُ العُتَاة، وَانقهرت بِسَيْفِهِ البُغَاة، وَاندحض أَضدَاده، وَفتح البِلاَد العَدِيْدَة، وَملك مَا لَمْ يَملكه غَيْرُه، وَخُطِبَ لَهُ بِالأَنْدَلُسِ وَبِالصّين، وَكَانَ أَسد بَنِي العَبَّاسِ تَتصدَّع لِهَيْبَتِهِ الجِبَال، وَتذل لسطوته الأَقيَال، وَكَانَ حَسَنَ الْخلق أَطيف الخُلق، كَامِل الظّرف، فَصِيْحاً، بَلِيْغاً، لَهُ التَّوقيعَات المُسَدّدَة وَالكَلِمَاتَ المُؤيدَة، كَانَتْ أَيَّامه غرَّة فِي وَجه الدَّهْر، وَدرَة فِي تَاج الفَخْر (?) .

حَدَّثَنِي الحَاجِب عَلِيّ بن مُحَمَّدِ بنِ جَعْفَرٍ، قَالَ: برزَ مِنْهُ تَوقيع إِلَى صدْر الْمخزن (?) جَلاَل الدِّيْنِ ابْن يُوْنُسَ: لاَ يَنْبَغِي لأَربَاب هَذَا المقَام أَنْ يُقْدِمُوا عَلَى أَمْر لَمْ يَنظرُوا فِي عَاقبته، فَإِنَّ النَّظَر قَبْل الإِقدَام خَيْر مِنَ النّدم بَعْد الفوَات، وَلاَ يُؤْخَذ البرَآء بِقَوْل الأَعْدَاء، فَلكل نَاصِح كَاشح، وَلاَ يُطَالب بِالأَمْوَال مَنْ لَمْ يَخن فِي الأَعْمَال، فَإِنَّ المصَادرَة مكَافَأَة لِلظَالِمِين، وَليكن العفَاف وَالتُّقَى رَقِيبَيْنِ عَلَيْك.

وَبَرَزَ مِنْهُ تَوقيع: قَدْ تَكرّر تَقدّمنَا إِلَيْك مِمَّا افْترضه الله عَلَيْنَا وَيلزمنَا القِيَام بِهِ كَيْفَ يُهْمَل حَالُ النَّاس حَتَّى تَم عَلَيْهِم مَا قَدْ بُيِّنَ فِي باطنهَا، فَتنصْف الرَّجُل وَتقَابل العَامِل إِنْ لَمْ يَفْلُج بِحجَّة شرعيَة.

قَالَ القَاضِي ابْنُ وَاصِلٍ (?) : كَانَ النَّاصِر شَهْماً شُجَاعاً ذَا فَكرَة صَائِبَة وَعقل رَصِين وَمكر وَدَهَاء، وَكَانَتْ هَيْبَته عَظِيْمَة جِدّاً، وَلَهُ أَصْحَاب أَخْبَار بِالعِرَاقِ وَسَائِر الأَطرَاف يطَالعونه بجزِيئَات الأُمُوْر (?) حَتَّى ذُكِرَ أَنَّ رَجُلاً بِبَغْدادَ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015