مَنْزِلَةٌ عَظِيْمَةٌ، وَمَنْ رَآهُ انتفَعَ برُؤْيتِهِ، فَإِذَا تَكَلَّمَ كَانَ عَلَيْهِ البَهَاء وَالنُّوْر، لاَ يُشْبَعُ مِنْ مُجَالَسَتِهِ، لَقَدْ طُفْتُ شرقاً وَغرباً، وَرَأَيْتُ الأَئِمَّةَ وَالزُّهَّادَ فَمَا رَأَيْتُ أَكملَ مِنْهُ، وَلاَ أَكْثَرَ عبَادَةً، وَلاَ أَحْسَنَ سَمْتاً، صَحِبتُهُ قَرِيْباً مِنْ عِشْرِيْنَ سَنَةً، ليلاً وَنَهَاراً، وَتَأَدَّبْتُ بِهِ، وَخَدَمْتُهُ، وَقَرَأْتُ عَلَيْهِ (?) بِجَمِيْعِ رِوَايَاتِهِ، وَسَمِعْتُ
مِنْهُ أَكْثَرَ مَرْوِيَّاتِهِ، وَكَانَ ثِقَةً، حُجَّةً، نبيلاً، عَلَماً مِنْ أَعْلاَمِ الدِّينِ! سَمِعَ مِنْهُ الحُفَّاظُ: عَلِيُّ بنُ أَحْمَدَ الزَّيْدِيُّ، وَالقَاضِي عُمَرُ بنُ عَلِيٍّ القُرَشِيُّ، وَالحَازِمِيُّ، وَطَائِفَةٌ مَاتُوا قَبْلَهُ.
وَسَمِعْتُ ابْنَ الأَخْضَرِ غَيْرَ مَرَّةٍ يَقُوْلُ: لَمْ يَبْقَ مِمَّنْ طَلَبَ الحَدِيْثَ وَعُنِيَ بِهِ غَيْرُ عَبْدِ الوَهَّابِ ابْن سُكَيْنَة.
وَسَمِعْتُهُ يَقُوْلُ: كَانَ شَيْخُنَا ابْنُ نَاصِرٍ يَجْلِسُ فِي دَارِهِ عَلَى سرِيرٍ لطيفٍ، فُكُلُّ مَنْ حضَرَ عِنْدَهُ يَجْلِسُ تَحْت، إِلاَّ ابْن سُكَيْنَةَ.
قَالَ ابْنُ النَّجَّارِ: وَأَنْبَأَنَا يَحْيَى بنُ القَاسِمِ مُدَرِّسُ النِّظَامِيَّةِ فِي ذِكْرِ مَشَايِخِهِ: ابْنُ سُكَيْنَةَ كَانَ عَالِماً عَامِلاً، دَائِمَ التَّكرَارِ لِكِتَابِ (التَّنْبِيْهِ (?)) فِي الفِقْهِ، كَثِيْرَ الاشتغَالِ بـ (المُهَذَّب) ، وَ (الوسيطِ) ، لاَ يُضيِّعُ شَيْئاً مِنْ وَقتِهِ، وَكُنَّا إِذَا دَخَلْنَا عَلَيْهِ يَقُوْلُ: لاَ تَزِيدُوا عَلَى (سَلام عَلَيْكم) مَسْأَلَةً؛ لَكَثْرَةِ حِرْصِهِ عَلَى المُبَاحثَةِ، وَتَقرِيرِ الأَحكَامِ.
وَقَالَ ابْنُ الدُّبَيْثِيِّ (?) : سَمِعَ بِنَفْسِهِ، وَحصَّلَ المَسْمُوْعَاتِ، ثُمَّ سَمَّى فِي شُيُوْخِهِ: أَبَا البَرَكَاتِ عُمَرَ بنَ إِبْرَاهِيْمَ الزَّيْدِيَّ، وَأَبَا شُجَاعٍ البِسْطَامِيَّ.