قُلْتُ: وَحضر وَفَاته القَاضِي الفَاضِل.

وَذَكَرَ أَبُو جَعْفَرٍ القُرْطُبِيّ إِمَام الكلاّسَة (?) : إِنَّنِي انتهيتُ فِي القِرَاءةِ إِلَى قَوْلِهِ -تَعَالَى-: {هُوَ اللهُ الَّذِي لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ عَالِمُ الغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ} [الحَشْرُ: 22] فَسَمِعْتُ صَلاَح الدِّيْنِ، وَهُوَ يَقُوْلُ: صَحِيْح.

وَكَانَ ذِهْنه قَبْل ذَلِكَ غَائِباً (?) ، ثُمَّ مَاتَ، وَغسَّلَه الخَطِيْب الدَّوْلَعِيّ، وَأُخْرِج فِي تَابوت، فَصَلَّى عَلَيْهِ القَاضِي مُحْيِي الدِّيْنِ ابْن الزَّكِيّ، وَأُعيد إِلَى الدَّارِ الَّتِي فِي البُسْتَان الَّتِي كَانَ مُتَمرِّضاً فِيْهَا، وَدُفِنَ فِي الصُّفَّة، وَارتفعت الأَصوَات بِالبُكَاء، وَعظُم الضّجيج، حَتَّى إِنَّ العَاقل ليُخيَّل لَهُ أَنَّ الدُّنْيَا كُلّهَا تَصيح صَوْتاً وَاحِداً، وَغَشِي النَّاس مَا شغلهُم عَنِ الصَّلاَة عَلَيْهِ، وَتَأَسَّف النَّاس عَلَيْهِ حَتَّى الفِرنْج لِما كَانَ مِنْ صدق وَفَائِهِ.

ثُمَّ بَنَى وَلده الأَفْضَل قُبَّةً شمَالِي الجَامِع، وَنقلَهُ إِلَيْهَا بَعْد ثَلاَث سِنِيْنَ، فَجَلَسَ هُنَاكَ لِلْعزَاء ثَلاَثاً.

وَكَانَ شَدِيد القوَى، عَاقِلاً، وَقُوْراً، مَهِيْباً، كَرِيْماً، شُجَاعاً.

وَفِي (الرَّوْضَتين) لأَبِي شَامَة (?) : أَنَّ السُّلْطَان لَمْ يُخلِّف فِي خزَانته مِنَ الذَّهَبِ وَالفِضَّة إِلاَّ سَبْعَة وَأَرْبَعِيْنَ دِرْهَماً، وَدِيْنَاراً صُوْرِيّاً، وَلَمْ يُخَلِّف مِلْكاً وَلاَ عقَاراً -رَحِمَهُ الله- وَلَمْ يَخْتلف عَلَيْهِ فِي أَيَّامِهِ أَحَد مَنْ أَصْحَابِهِ، وَكَانَ النَّاسُ يَأْمنُوْنَ ظلمَه، وَيَرجُوْنَ رِفْدَه، وَأَكْثَرُ مَا كَانَ يَصِلُ عطَاؤُه إِلَى الشّجعَانِ، وَإِلَى العُلَمَاءِ، وَأَربَابِ البيوتَاتِ، وَلَمْ يَكُنْ لمبطلٍ وَلاَ لمَزَّاحٍ عِنْدَهُ نصِيْب.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015