فَارِس، فَحَاصَر المَوْصِلَ ثَمَانِيْنَ يَوْماً، فَبذل لَهُ زنكِي مُتَوَلِّيهَا أَمْوَالاً لِيَرحل، فَأَبَى، ثُمَّ إِنَّهُ ترحَّل، وَعظمت هيبتُه فِي النُّفُوْس، وَخضع زنكِي، وَبَعَثَ الْحمل إِلَى المُسْترشد، وَقَدِمَ رَسُوْلُ السُّلْطَان سَنجر، فَأُكْرِمَ، وَنفَّذ المُسْترشد لِسَنجر خِلْعَة السّلطنَة ثُمِّنَتْ بِمائَةِ أَلْفِ دِيْنَار وَعِشْرِيْنَ أَلْف دِيْنَار، وَعرض المُسْترشد جيوشَه فِي هيئَة لَمْ يُعهد مِثْلهَا مِنْ دَهْرٍ طَوِيْلٍ، فَكَانُوا خَمْسَةَ عَشَرَ أَلْفاً.
وَفَارق مَسْعُوْدٌ بَغْدَاد عَلَى غضب، وَانضمَّ إِلَيْهِ دُبيس، وَعزمُوا عَلَى أَخْذِ بَغْدَاد، فَطَلبَ المُسْترشدُ زنكِي بن آقسُنْقُر، وَهُوَ مُحَاصر دِمَشْق، وَطلبَ نَائِب البَصْرَة بَكبَه، فَبَيَّت مَسْعُوْدٌ طلاَئِعَ المُسْترشد، فَانْهَزَمُوا، وَلَكِن خَامَرَ أَرْبَعَة أُمَرَاء إِلَى المُسْترشد، فَأَنْعَمَ عَلَيْهِم بِثَمَانِيْنَ أَلف دِيْنَار، وَسَارَ فِي سَبْعَةِ آلاَف، وَكَانَتِ المَلْحَمَةُ فِي رَمَضَانَ، سَنَةَ تِسْع كَمَا ذكرنَا، فَانْهَزَم جَيْشُ الخَلِيْفَة، وَأَسلمُوْهُ، فَأَسره مَسْعُوْدٌ فِي نوعِ احترَام، وَحَاز خِزَانَته، وَكَانَتْ أَرْبَعَة آلاَف أَلف دِيْنَار، وَمجموعُ القَتْلَى خَمْسَة أَنْفُس، وَزوَّر السُّلْطَانُ عَلَى لِسَانِ الخَلِيْفَة كتباً إِلَى بَغْدَادَ بِمَا شَاءَ، وَقَامَت قِيَامَة البغَادِدَة عَلَى خَلِيفتِهِم، وَكَانَ مَحْبُوباً إِلَى الرَّعيَّة جِدّاً، وَبذلُوا السَّيْف فِي أَجنَاد السُّلْطَان، فَقُتِلَ مِنَ العَامَّة مائَة وَخَمْسُوْنَ نَفْساً، وَأَشرفت الرعيَة عَلَى البَلاَء (?) ، وَلَمَّا قُتِلَ المُسْترشد، بُوْيِع بِالخِلاَفَةِ وَلدُهُ الرَّاشد بِاللهِ بِبَغْدَادَ.
أَمِيْرُ المُؤْمِنِيْنَ، أَبُو جَعْفَرٍ مَنْصُوْر ابنُ المُسْترشد بِاللهِ الفَضْل بنِ أَحْمَدَ العَبَّاسِيّ.