ارْتَحَلَ فِي حُدُوْدِ الأَرْبَعِ مائَة إِلَى طرَابلس وَبِهَا كتب كَثِيْرَةٌ، وَاجتَاز بِاللاَّذقيَّة، فَنَزَلَ ديراً بِهِ رَاهِبٌ مُتفلسِفٌ، فَدَخَلَ كَلاَمُه فِي مسَامعِ أَبِي العَلاَءِ، وَحَصَلَتْ لَهُ شكوكٌ لَمْ يَكُنْ لَهُ نورٌ يَدفعُهَا، فَحصلَ لَهُ نوعُ انحَلاَلٍ دَلَّ عَلَيْهِ مَا يَنظمه وَيلهج بِهِ.

وَيُقَالُ: تَابَ مِنْ ذَلِكَ وَارعوَى (?) .

وَقَدْ سَارَتِ الفُضَلاَءُ إِلَى بَابه، وَأَخَذُوا عَنْهُ.

وَكَانَ أَخَذَ اللُّغَة عَنْ أَبِيْهِ، وَبحلبَ عَنْ مُحَمَّدِ بنِ عَبْدِ اللهِ بنِ سَعْدٍ النَّحْوِيّ.

وَكَانَتْ غَلَّتُه فِي العَامِ نَحْو ثَلاَثِيْنَ دِيْنَاراً، أَفرز مِنْهَا نِصْفهَا لمَنْ يَخدُمه.

وَكَانَ غذَاؤُه العَدَسَ وَنَحْوهُ، وَحلوَاهُ التِّين، وَثيَابُه الْقطن، وَفِرَاشه لبَّادٌ وَحصِيْر بَرْدِي (?) ، وَفِيْهِ قوَةُ نَفْس، وَتَرْكٌ لِلْمِنَنِ، عُورِضَ فِي وَقْفِهِ، فَسَافر إِلَى بَغْدَادَ يَتظلَّم فِي سَنَةِ تِسْعٍ وَتِسْعِيْنَ، وَحَدَّثَ بِهَا بسَقط الزّند (?) .

يُقَالُ: كَانَ يَحفظُ كُلَّ مَا مرَّ بِسَمِعَهُ، وَيُلاَزم بَيْتَه، وَسَمَّى نَفْسه رهن المَحْبِسَيْنِ؛ لِلزومه مَنْزِلَه وَلِلعمَى،

وَقَالَ الشِّعرَ فِي حدَاثته، وَكَانَ يُمْلِي تَصَانِيْفَه عَلَى الطَّلَبَةِ مِنْ صَدْره (?) .

خَرَجَ صَالِح بنُ مِرْدَاسٍ ملك حلب (?) ، فَنَازل المَعَرَّة يُحَاصرهَا،

طور بواسطة نورين ميديا © 2015