وَيَنْظُرُ مِنْ لأْلاَءِ قُدْسِكَ نَظرَةً ... فَيَرْجِعُ وَالنُّوْرُ الإِمَامِيُّ صَاحِبُه

وَلَوْ كَانَ يَعْلُونِي بنَفْسٍ ورتبةٍ ... وَصِدْقِ وَلاَءٍ لَسْتُ فِيْهِ أُصَاقِبُه

لَكُنْتُ أُسلِّي النَّفْسَ عَمَّا تَرُومُه ... وَكُنْتُ أَذُودُ العَيْنَ عَمَّا تُرَاقِبُه

وَلَكِنَّهُ مِثْلِي وَلَو قُلْتُ إِنَّنِي ... أَزِيْدُ عَلَيْهِ لَمْ يَعِبْ ذَاكَ عَائِبُه

وَمَا أَنَا مِمَّنْ يَملأ المَالُ عَينَهُ ... وَلاَ بِسوَى التَّقْرِيْب تُقْضَى مَآرِبُه

وَلاَ بِالَّذِي يُرْضِيْهِ دُوْنَ نَظِيْرِهِ ... وَلَوْ أُنْعِلَتْ بِالنَّيِّرَات مَرَاكِبُه

وَبِي ظَمَأٌ رُؤيَاكَ مَنْهَلُ ريِّهِ ... وَلاَ غروَ أَنْ تَصفو لَدَيَّ مشاربه

ومن عجب أني لدى الحبر واقفٌ ... أشكو الظَّمَا وَالبَحْرُ جَمٌّ عَجَائِبُه

وَغَيْرُ ملُوْمٍ مَنْ يؤمك قاصدًا ... إذا عَظُمَت أَغرَاضُهُ وَمَذَاهِبُهُ

فَوَقَعت الأَبيَات مِنَ الخَلِيْفَة بِموقع، وَأُدخل لَيلاً، وَوَانَسَهُ وَذَاكَرَهُ، وَأُخْرِج سرّاً رعَايَةً لِخَاطر الكَامِل.

ثُمَّ حضَر النَّاصِر درسَ المُسْتَنْصِرِيَّة، فَبحثَ وَنَاظرَ وَالخَلِيْفَةُ فِي مَنْظَرته، فَقَامَ الوَجِيْه القَيْرَوَانِي وَمدح الخَلِيْفَة بِأَبيَاتٍ مِنْهَا:

لَوْ كُنْتَ فِي يَوْم السَّقيفَة حَاضِراً ... كُنْتَ المُقَدَّم وَالإِمَامَ الأَورعَا

فَقَالَ النَّاصِرُ: أَخْطَأْت، قَدْ كَانَ العَبَّاس جدّ أَمِيْرِ المُؤْمِنِيْنَ حَاضِراً وَلَمْ يَكُنِ المُقَدَّم إلَّا أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيْقُ.

فَأُمر بِنَفْيِ الوَجِيْه فَسَافر وَوَلِيَ بِمِصْرَ تَدْرِيساً، ثُمَّ خَلَعُوا عَلَى النَّاصِر وَحَاشيته، وَجَاءَ مَعَهُ رَسُوْلُ الدِّيْوَانِ فَأَلْبَسَه الخِلْعَة بِالكَرَك، وَركب بِالسَّنْجق الخليفْتِي وَزِيْد فِي لَقَبِهِ: الوَلِيّ المُهَاجِر، ثُمَّ رَاسلَهُ الكَامِل وَالأَشْرَف لَمَّا اخْتَلَفَا، وَطلب كُلٌّ مِنْهُمَا أَنْ يؤازره، وجاء فِي الرّسليَة مِنْ مِصْرَ القَاضِي الأَشْرَف فَرجح جَانب الكَامِل، ثُمَّ تَوجّه إِلَيْهِ فَبَالغَ فِي تَعْظِيْمِهِ وَأَعَاد إِلَى عصمته ابْنته عَاشُورَاء وَأَرْكَبَهُ فِي دَسْت السَّلْطَنة، فَحْملَ لَهُ الغاشيةَ الملكُ العَادلُ وَلدُ الكَامِلِ وَوعدَهُ بِأَخْذِ دِمَشْق مِنَ الأَشْرَف وَردِّهَا إِلَيْهِ.

وَلَمَّا مَاتَ الكَامِل بِدِمَشْقَ، مَا شكّ النَّاسُ أَنَّ النَّاصِر يَملكهَا، فَلَو بَذَلَ ذَهَباً لأَخْذَهَا، فَسلطنُوا الجَوَاد، فَفَارق النَّاصِر البَلَدَ، وَسَارَ إِلَى عَجْلُوْنَ، وَنَدِمَ فَجمعَ وَحشد وَاسْتَوْلَى عَلَى كَثِيْر مِنَ السَّاحِل، فَالتقَاهُ الجَوَادُ بِقُرْبِ جِنِيْنَ، فَانْكَسَرَ النَّاصِر وَذَهَبت خَزَائِنه، وَطلع إلى الكرك.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015