وَدَرَّسَ، وَأَفتَى، وَنَاظر، وَتَصَدَّرَ لِلْفقه، وَوعظَ.
وَكَانَ صَدْراً كَبِيْراً، وَافر الجَلاَلَةِ، ذَا سَمْتٍ وَهَيْبَةٍ وَعبَارَةٍ فَصيحَةٍ، رُوسِلَ بِهِ إِلَى المُلُوْك، وَبلغ أَعْلَى المَرَاتِبِ، وَكَانَ مَحْمُوْد الطَّرِيقَة مُحبَّباً إِلَى الرَّعِيَّةِ، بَقِيَ فِي الأُسْتَاذ دَارِيَّةِ سَائِرَ أَيَّامِ المُسْتَعْصِمِ.
قَالَ الدِّمْيَاطِيُّ: قَرَأْتُ عَلَيْهِ كِتَابَ "الوَفَا في فضائل المصفى" لأَبِيْهِ، وَأَنْشَدَنَا لِنَفْسِهِ، وَوصَلنِي بِذَهب.
قَالَ شَمْس الدِّيْنِ ابْن الفَخْر: أَمَّا رِيَاسته وَعَقْله فَتُنْقَل بِالتَّوَاتُرِ حَتَّى قَالَ السُّلْطَان الْملك الكَامِل: كُلّ أَحَدٍ يُعوِزُهُ عَقْلٌ سِوَى مُحْيِي الدِّيْنِ فَإِنَّهُ يُعوزه نَقص عقل!
وَذَلِكَ لِشِدَّةِ مُسكته وَتَصمِيمه وَقُوَّة نَفْسِهِ؛ تُحَكَى عَنْهُ عَجَائِب فِي ذَلِكَ: مَرَّ بِبَابِ البَرِيْد فَوَقَعَ حَانُوْت فِي السُّويقَةِ، وضج الناس وسقطت خشبة عَلَى كفل البَغْلَة فَمَا الْتَفَت وَلاَ تَغَيَّر. وَكَانَ يُنَاظر وَلاَ يُحرك لَهُ جَارحة.
أَنشَأَ بِدِمَشْقَ مَدْرَسَةً كَبِيْرَةً، وَقَدِمَ رَسُوْلاً غَيْرَ مَرَّةٍ، وَحَدَّثَ بِأَمَاكن.
ضُرِبَتْ عُنُقُهُ صَبْراً عِنْدَ هُوْلاَكُو، فِي صَفَرٍ، سَنَةَ سِتٍّ وَخَمْسِيْنَ وَسِتِّ مائَةٍ، فِي نَحْو مِنْ سَبْعِيْنَ صَدْراً مِنْ أَعيَانِ بَغْدَاد مِنْهُم: أَوْلاَده؛ المُحْتَسِب جَمَال الدِّيْنِ عَبْد الرَّحْمَنِ، وَشَرَف الدِّيْنِ عَبْد اللهِ، وَتَاج الدِّيْنِ عَبْد الكَرِيْمِ، رَحِمَهُمُ الله.
ابْنه: