الشَّيْخِ، وَمَعَهُ خِزَانَةُ مَالٍ فَنَازَلُوا دِمَشْقَ مُدَّةً، ثُمَّ أُخِذَتْ بِالأَمَانِ لِقلِّةِ مَنْ مَعَ صَاحِبِهَا، وَلِمُفَارقَةِ الحَلَبِيِّينَ لَهُ، فَتَرَكَهَا وَذَهَبَ إِلَى بَعْلَبَكَّ، وَحَصلَ لِلْخُوَارِزْمِيَةِ إِدلاَلٌ، وَطَمِعُوا فِي كِبَارِ الأَخبَازِ، فَلَمْ يَصِحَّ مَرَامُهُم، فَغَضِبُوا، وَنَابَذُوا، ثُمَّ حَلَفُوا لإِسْمَاعِيْلَ، وَجَاءَ تَقلِيدُ الخِلاَفَةِ لِلسُّلْطَانِ بِمِصْرَ وَالشَّامِ وَالشَّرْقِ وَلَبِسَ العِمَامَةَ وَالجُبَّةَ السَّوْدَاءَ. ثُمَّ إِنَّ الصَّالِحَ إِسْمَاعِيْلَ كَرَّ بِالخُوَارِزْمِيَّةِ إِلَى دِمَشْقَ وَنَازَلَهَا وما بها كبير عسكر، فكان بالقلعة رشد الخَادِمُ، وَبِالمَدِيْنَةِ حُسَامُ الدِّيْنِ ابْنُ أَبِي عَلِيٍّ، فَقَامَ بِحِفظِهَا وَاشتَدَّ بِهَا القَحطُ حَتَّى أَكَلُوا الجِيَفَ، حَتَّى قِيْلَ: إِنَّ رَجُلاً مَاتَ فِي الحَبْسِ، فَأَكلُوْهُ. وَجَرَتْ أُمُوْرٌ مُزعجَةٌ، ثُمَّ التَقَى الحَلَبِيُّوْنَ وَالخُوَارِزْمِيَّةُ، فَكُسرَتِ الخُوَارِزْمِيَّةُ، وَقُتِلَ خَلْقٌ مِنْهُم، وَفَرَّ إِسْمَاعِيْلُ إِلَى حَلَبَ، فَبَعَثَ السُّلْطَانُ يَطلبُهُ مِنْ صَاحِبِهَا الملكِ النَّاصِرِ يُوْسُفَ، فَقَالَ: كَيْفَ يَلِيقُ أَنْ يَلتَجِئَ إِلَيَّ خَالُ أَبِي؟! فَأَسلمَه، سَارَ عَسْكَرٌ، فَأَخذُوا بَعْلَبَكَّ مِنْ أَوْلاَدِ إِسْمَاعِيْلَ، وَبُعِثَوا تَحْتَ الحَوطَةِ إِلَى مِصْرَ وَأَمِيْنُ الدَّوْلَةِ الوَزِيْرُ وَابْنُ يَغْمُوْرَ، فَحُبِسُوا، وَصَفتِ البِلاَدُ لِلسُّلْطَانِ، وَبَقِيَ صَاحِبُ الكَرَكِ كَالمَحْصُوْرِ، ثُمَّ رَضِي السُّلْطَانُ عَنْ فَخْرِ الدِّيْنِ ابْنِ الشَّيْخِ، وَأَطلَقَه وَجَهَّزَه فِي جَيْشٍ، فَاسْتولَى عَلَى بِلاَدِ النَّاصِرِ، وَخَرَّبَ قُرَى الكَرَكِ وَحَاصَرَه، وَقَلَّ نَاصِرُ النَّاصِرِ، فَعَمِلَ تِيْكَ القَصيدَةَ البَدِيْعَةَ يُعَاتِبُ السُّلْطَانَ:
قُلْ لِلَّذِي قَاسَمْتُهُ مُلْكَ اليَدِ ... وَنَهَضْتُ فِيْهِ نَهْضَةَ المُتَأَسِّدِ
عَاصَيْتُ فِيْهِ ذَوِي الحجَى مِنْ أُسرتِي ... وَأَطَعْتُ فِيْهِ مَكَارِمِي وَتَوَدُّدِي
يَا قَاطِعَ الرَّحِمِ الَّتِي صِلَتِي بِهَا ... كُتِبَتْ عَلَى الفَلَكِ الأَثِيْرِ بِعَسْجَدِ
إِنْ كُنْتَ تَقدَحُ فِي صرِيح منَاسبِي ... فَاصْبِرْ بِعرضكِ لِلَّهِيبِ المُرصَدِ
عَمِّي أَبُوْكَ وَوَالِدِي عَمٌّ بِهِ ... يَعلو انتسَابُك كُلّ ملْك أَصْيدِ
صَالاَ وَجَالاَ كَالأُسْوَدِ ضَوَارِياً ... وَارتد تيَّارُ الفُرَاتِ المُزْبِدِ
دَعْ سَيْفَ مِقولِيَ البَلِيْغَ يَذُبُّ عَنْ ... أَعْرَاضِكُم بِفِرَنْدِهِ المُتَوَقِّدِ
فَهُوَ الَّذِي قَدْ صَاغَ تَاجَ فَخَارِكُم ... بِمُفصَّلٍ مِنْ لُؤْلُؤٍ وَزَبَرْجَدِ
يَا مُحرجِي بِالقَوْلِ وَاللهِ الَّذِي ... خضعتْ لِعزَّتِه جِباهُ السُّجَّدِ
لَوْلاَ مَقَالُ الهُجْرِ مِنْكَ لَمَا بَدَا ... مِنِّي افْتخَارٌ بِالقرِيضِ المُنْشَدِ
إِنْ كُنْتُ قُلْتُ خِلاَفَ مَا هُوَ شِيمتَي ... فَالحَاكِمُوْنَ بِمَسْمَعٍ وَبِمَشْهَدِ