عَلَى أَبِي الحَسَنِ البُوقِيِّ. وَقَرَأَ العَرَبِيَّةَ وَالأُصُوْلَ وَالخلاَفَ وَعُنِيَ بِالحَدِيْثِ وَبَالَغَ، وَكَتَبَ العَالِيَ وَالنَّازلَ، وَصَنَّفَ "تَارِيخاً" كَبِيْراً لِوَاسطَ، وَذَيَّل عَلَى "تَارِيخِ بَغْدَادَ" المُذَيَّل لابْنِ السَّمْعَانِيِّ عَلَى "تَارِيْخ الخَطِيْبِ"، وَعَمِلَ "المُعْجَمَ" لِنَفْسِهِ، وَخَرَّجَ لِغِيْرِ وَاحِدٍ، وَكَانَ مُشْرِفَ الأَوقَافِ، وَمِنْ كُبَرَاء العُدُوْلِ، ثُمَّ اسْتَعْفَى مِنَ العَدَالَةِ ضَجَراً مِنْ كُلْفَتِهَا، فَإِنَّ العَدَالَةَ ببغداد كنت منصبًا وَرُتْبَةً كَبِيْرَةً وَإِذَا عُزِلَ الرَّجُل مِنْهَا لاَ يُفَسَّقُ، ثُمَّ لاَزَمَ العِلْمَ وَالإِقْرَاءَ وَالتَّسمِيْعَ.
قَالَ الحَافِظُ مُحِبّ الدِّيْنِ ابْنُ النَّجَّارِ: سَكَنَ أَبُو عَبْدِ اللهِ بَغْدَادَ، وَحَدَّثَ بتَصَانِيْفِهِ، وَقَلَّ أَنْ جَمَعَ شَيْئاً إلَّا وَأَكْثَرُهُ عَلَى ذهنِه، وَلَهُ مَعْرِفَةٌ بِالحَدِيْثِ وَالأَدَبِ وَالشِّعْرِ، وَهُوَ سَخِيٌّ بِكُتُبِهِ وَأُصُوْلِهِ، صَحِبْتُهُ عِدَّةَ سِنِيْنَ، فَمَا رَأَيْتُ مِنْهُ إلَّا الجَمِيْلَ وَالدِّيَانَةَ وَحُسنَ الطَّرِيقَةِ، وَمَا رَأَتْ عَيْنَايَ مِثْلَهُ فِي حِفْظِ السِّيَرِ وَالتَّوَارِيخِ وَأَيَّامِ الناس، رحمه الله.
قلت: حدث عنه بن النَّجَّارِ، وَأَبُو بَكْرٍ بنُ نُقْطَةَ، وَأَبُو عَبْدِ اللهِ البِرْزَالِيُّ، وَالمُؤَرِّخُ عَلِيُّ بنُ مُحَمَّدٍ الكَازَرُوْنِيُّ، وَعِزُّ الدِّيْنِ أَحْمَدُ الفَارُوْثِيّ الوَاعِظُ، وَجَمَالُ الدِّيْنِ الشَّرِيْشِيُّ المُفَسِّرُ، وَتَاجُ الدِّيْنِ عَلِيُّ بنُ أَحْمَدَ الغَرَّافِيُّ، وَآخَرُوْنَ.
وَقَدْ سَمِعَ مِنْهُ مِنْ شُيُوْخِهِ المُحَدِّثُ أَحْمَدُ بنُ طَارِقٍ، وَأَبُو طَالِبٍ بنُ عَبْدِ السَّمِيْعِ.
وَرَوَى عَنْهُ بِالإِجَازَةِ: القَاضِي تَقِيّ الدِّيْنِ سُلَيْمَانُ بنُ أَبِي عُمَرَ الحَنْبَلِيُّ.
قَالَ ابْنُ النَّجَّارِ: لَقَدْ مَاتَ عَدِيْم النَّظِيْر فِي فَنِّهِ وَأَضَرَّ بِأَخَرَةٍ، تُوُفِّيَ: فِي ثَامنِ رَبِيْعٍ الآخِرِ، سَنَةَ سَبْعٍ وَثَلاَثِيْنَ وَسِتِّ مائَةٍ.
قُلْتُ: وَفِيْهَا مَاتَ: قَاضِي دِمَشْقَ شَمْسُ الدِّيْنِ أَبُو العباس أحمد بن الخليل بن سعادة الخوبي الأُصُوْلِيُّ، وَمُسْنَدُ الوَقْتِ بِشِيْرَازَ الإِمَامُ عَلاَءُ الدِّيْنِ أبو سعد ثابت بن أحمد ابن الخُجَنْدِيِّ الأَصْبَهَانِيّ، -وَهُوَ آخِرُ مَنْ حَدَّثَ بِـ "الصَّحِيْحِ" عَنْ أَبِي الوَقْتِ حُضُوْراً، وَمُقْرِئ بَغْدَادَ عَبْدُ العَزِيْزِ ابْنُ دُلَفَ النَّاسخُ الخَازنُ، وَالعَدْلُ الأَمِيْن أَبُو الغَنَائِمِ سَالِمُ ابْنُ الحَافِظِ أَبِي المَوَاهِبِ بنِ صَصْرِى، وَالرَّئِيْسُ صَفِيُّ الدِّيْنِ أَبُو العَلاَءِ أَحْمَدُ بنُ أَبِي اليُسْرِ شَاكِرٍ التَّنُوْخِيُّ الدِّمَشْقِيُّ، وَرَاوِي "مُسْنَدِ ابْنِ رَاهَوَيْهِ" أَبُو البَقَاءِ إِسْمَاعِيْلُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ يَحْيَى المُؤَدِّبُ بِبَغْدَادَ، وَأَبُو عَلِيٍّ حُسَيْنُ بنُ يُوْسُفَ الشَّاطِبِيُّ ثُمَّ الإِسْكَنْدَرَانِيُّ. وَالقَاضِي عَبْدُ الحَمِيْدِ بنُ عَبْدِ الرَّشِيْدِ سِبْطُ أَبِي العَلاَءِ الهَمَذَانِيِّ، وَأَبُو القَاسِمِ عَبْدُ الرَّحِيْمِ بنُ يُوْسُفَ ابْن الطُّفَيْلِ بِمِصْرَ، وَإِمَامُ الرَّبوَةِ أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ العَزِيْزِ بنُ بَرَكَاتِ ابْن الخُشُوْعِيّ، وَالمُحْتَسِبُ رَشِيْدُ الدِّيْنِ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الكَرِيْمِ ابْنِ الهَادِي القَيْسِيّ، وَالزَّاهِدُ أَبُو طَالِبٍ مُحَمَّدُ بنُ أَبِي المَعَالِي عَبْدُ اللهِ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ صَابِرٍ السُّلَمِيّ، وَفَخْرُ الدِّيْنِ مُحَمَّدِ بنِ مُحَمَّدِ بنِ عَلِيِّ بنِ أَبِي نَصْرٍ النُّوْقَانِيُّ الفَقِيْهُ، وَتَقِيّ الدِّيْنِ مُحَمَّدُ بنُ طرخَاتَ بنِ أَبِي الحَسَنِ السُّلَمِيّ، وَالمُحَدِّثُ الأديب شمس الدين محمد بن الحسن ابن مُحَمَّدِ ابْنِ الكَرِيْم الكَاتِبُ البَغْدَادِيُّ؛ سِتَّتُهُم بِدِمَشْقَ، وَمُحَدِّثُ إِرْبِلَ وَعَالِمُهَا الإِمَامُ شَرَفُ الدِّيْنِ أَبُو البركات المبارك بن أحمد ابن المُسْتوفِيّ، وَالصَّاحِبُ الأَوحَدُ ضِيَاءُ الدِّيْنِ نَصْرُ اللهِ بنُ مُحَمَّدِ بنِ مُحَمَّدِ بنِ الأَثِيْرِ الجَزَرِيُّ صَاحِبُ "المَثَلِ السَّائِر" وَآخَرُوْنَ.
قَرَأْتُ عَلَى عَلِيُّ بنُ أَحْمَدَ العَلَوِيُّ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ سَعِيْدٍ الحَافِظُ سَنَةَ ثَلاَثٍ وَثَلاَثِيْنَ وَسِتِّ مائَةٍ، فَذَكَرَ جزءًا فيه نوادر وحكايات.