وقتل في ذلك الوجه مالك بن نويرة التميمي في رجال معه من تميم، فقالت الأنصار: نحن راجعون، قد أقرت العرب بالذي كان عليها، فقال خالد ومن معه من المهاجرين: قد لعمري آذن لكم وقد أجمع أميركم بالمسير إلى مسيلمة بن ثمامة الكذاب، ولا نرى أن تفرقوا على هذه الحال، فإن ذلك غير حسن، وإنه لا حجة لأحد منكم فارق أميره وهو أشد ما كان إليه حاجة، فأبت الأنصار إلا الرجوع، وعزم خالد ومن معه، وتخلفت الأنصار يوما أو يومين ينظرون في أمرهم، وندموا وقالوا: ما لكم والله عذر عند الله، ولا عند أبي بكر إن أصيب هذا الطرف وقد خذلناهم، فأسرعوا نحو خالد ولحقوا بهن فسار إلى اليمامة، وكان مجاعة بن مرارة سيد بني حنيفة خرج في ثلاثة وعشرين فارسا يطلب دما في بني عامر، فأحاط بهم المسلمون، فقتل أصحاب مجاعة وأوثقه.
وقال العطاف بن خالد: حدثني أخي عبد الله عن بعض آل عدي، عن وحشي، قال: خرجنا حتى أتينا طليحة فهزمهم الله، فقال خالد: لا أرجع حتى آتي مسيلمة حتى يحكم الله بيننا وبينهم، فقال له ثابت بن قيس: إنما بعثنا إلى هؤلاء وقد كفى اللهم مؤونتهم، فلم يقبل منه، وسار، ثم تبعه ثابت بعد يوم في الأنصار.
مقتل مالك بن نويرة التميمي الحنظلي اليربوعي:
قال ابن إسحاق: أتى خالد بن الوليد بمالك بن نويرة في رهط من قومه بني حنظلة، فضرب أعناقهم، وسار في أرض تميم، فلما غشوا قوما منهم أخذوا السلاح، وقالوا: نحن مسلمون، فقيل لهم: ضعوا السلاح فوضعوه، ثم صلى المسلمون وصلوا.
فروى سالم بن عبد الله، عن أبيه، قال: قدم أبو قتادة الأنصاري على أبي بكر فأخبره بقتل مالك بن نويرة وأصحابه، فجزع لذلك، ثم ودى مالك ورد السبي والمال.
وروي أن مالكا كان فارسا شجاعا مطاعا في قومه وفيه خيلاء، كان يقال له: الجفول. قَدِمَ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأسلم فولاه صدقة قومه، ثم ارتد، فلما نازله خالد قال: أنا آتي بالصلاة دون الزكاة. فقال: أما علمت أن الصلاة والزكاة معا؟ لا تقبل واحدة دون الأخرى! فقال: قد كان صاحبك يقول ذلك. قال خالد: وما تراه لك صاحبا! والله لقد هممت أن أضرب عنقك، ثم تحاورا طويلا فصمم على قتله: فكلمه أبو قتادة الأنصاري وابن عمر، فكره كلامهما، وقال لضرار بن الأزور: اضرب عنقه، فالتفت مالك إلى زوجته وقال: هذه التي قتلتني، وكانت في غاية الجمال، قال خالد: بل الله قتلك برجوعك عن الإسلام فقال: أنا على الإسلام.