عَبْدِ الوَهَّابِ بنِ أَبِي حَبَّةَ، وَمُبَارَكِ بنِ طَاهِرٍ، وَحَنْبَلٍ، وَابْنِ طَبَرْزَذَ، وَنَصْرِ اللهِ بنِ سَلاَمَةَ الهِيْتِيّ، وَخَلْقٍ مِنَ الوَافدينَ إِلَى إِرْبِلَ.

وَكَتَبَ الكَثِيْرَ، وَجَمَعَ فَأَوعَى، وَعَمِلَ لِبَلَدِهِ "تَارِيْخاً" فِي خَمْسَةِ أَسفَارٍ، وَكَانَتْ دَارُهُ مَجْمَعاً لِلْفُضَلاَءِ، وَكَانَ كَثِيْرَ المَحْفُوْظِ، قَوِيَّ الخَطِّ، حُلْوَ الإِيرَادِ، لَهُ النَّظْمُ وَالنَّثْرُ، وَالتَّفُنُّنُ فِي الفَضَائِلِ، وَلَهُ إِجَازَةٌ مِنْ أَبِي جَعْفَرٍ الصَّيْدَلاَنِيِّ، وَغَيْرِهِ.

أَجَازَ لِشَيْخِنَا شَمْسِ الدِّيْنِ ابْنِ الشِّيْرَازِيِّ.

وَلِي نَظَرَ إربل مدة، ونزح منها وقت استلاء التَّتَارِ عَلَيْهَا، فَأَقَامَ بِالمَوْصِلِ، وَكَانَ وَالِدُهُ وَجدُّهُ مِنْ قَبْلِهِ عَلَى الاسْتيفَاءِ بِإِرْبِلَ.

قُلْتُ: فَمِنْ شِعرِهِ مِمَّا أَوْرَدَ لَهُ ابْنُ الفُوَطِيِّ:

وَفَى لي دمعي يوم بانوا بوعده ... فأجرتيه حتى غرقت بمده

وَلَوْ لَمْ يُخَالِطْهُ دَمٌ غَالَ لَوْنَهُ ... لَمَا مَالَ حَادِي الرَّكْبِ عَنْ قَصْدِ وِرْدِهِ

أَأَحْبَابَنَا هَلْ ذَلِكَ العَيْشُ رَاجِعٌ ... بِمقتبلٍ غَضِّ الصِّبَى مُسْتَجَدِّهِ

زَمَاناً قَضَيْنَاهُ انْتِهَاباً وَكُلُّنَا ... يَجُرُّ إِلَى اللَّذَّاتِ فَاضِلَ بُرْدِهِ

وَإِنَّ عَلَى المَاءِ الَّذِي يَرِدُوْنَهُ ... غَزَالٌ كَجِلْدِ المَاءِ رِقَّةَ جِلْدِهِ

يَغَارُ ضِيَاءُ البَدْرِ مِنْ نُوْرِ وَجْهِهِ ... وَيَخْجَلُ غُصْنُ البَانِ مِنْ لِيْنِ قَدِّهِ

وَلَهُ:

حَيَّا الحَيَا وَطَناً بِإِرْبِلَ دَارساً ... أَخْنَتْ عَلَيْهِ حَوَادِثُ الأَيَّامِ

أَقْوَتْ مَرَابِعُهُ وَأَوْحَشَ أُنْسُهُ ... وَخَلَتْ مَرَاتِعُهُ مِنَ الآرَامِ

عُنِيَ الشَّتَاتُ بِأَهْلِهِ فَتَفَرَّقُوا ... أَيدِي سَبَا فِي غَيْر دَارِ مقَامِ

إِنْ يُمْسِ قَدْ لَعِبَتْ بِهِ أَيدِي البِلَى ... عَافِي المعَاهِدِ دَارِسَ الأَعْلاَمِ

فَلَكَمْ قَضَيْتُ بِهِ لُبَانَاتِ الصِّبَى ... مَعَ فِتيَةٍ شُمِّ الأُنوفِ كِرَامِ

قَالَ ابْنُ خَلِّكَانَ: كَانَ شَرَفُ الدِّيْنِ جَلِيْلَ القَدْرِ، وَاسِعَ الكَرَمِ، مُبَادِراً إِلَى زِيَارَةِ مَنْ يَقدِمُ، مُتَقَرِّباً إِلَى قَلْبِهِ، وَكَانَ جَمَّ الفَضَائِلِ، عَارِفاً بِعِدَّةِ فُنُوْنٍ، مِنْهَا الحَدِيْثُ وَفُنُونُهُ وَأَسْمَاؤُهُ، وَكَانَ مَاهِراً فِي الآدَابِ وَالنَّحْوِ وَاللُّغَةِ وَالشِّعرِ وَأَيَّامِ العَرَبِ، بَارِعاً فِي حِسَابِ الدِّيْوَانِ. صَنَّف شرحاً لِـ "دِيْوَان المُتَنَبِّي" وَ"أَبِي تَمَّامٍ" فِي عَشْرِ مُجَلَّدَاتٍ، وَلَهُ فِي أَبيَاتِ "المُفَصَّل" مُجَلَّدَان.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015