وَأَمَّا الخَلِيْفَةُ فَإِنَّهُ جَمعَ الجُمُوْعَ وَجَيَّشَ الجُيُوْشَ، وَحشرَ فَنَادَى، وَأَتتْهُ البُعُوثُ مِنْ كُلِّ حَدَبٍ يَنسِلُوْنَ، وَلَمَّا جَاءَ رَسُوْلُ التَّتَارِ احْتَفَلَ الجَيْشُ وَبَالغُوا، حَتَّى امتلأَ قَلْبُهُ رُعْباً، وَدِمَاغُهُ خيَالاً، فَرَجَعَ مُخَبِّراً.

وَأَمَّا أَهْلُ أَصْبَهَانَ فَفَتَحُوا، وَدَخَلَتِ التَّتَارُ، فَمَالَ عَلَيْهِمُ النَّاسُ قتلاً، فَقَلَّ مَنْ نَجَا مِنَ التَّتَارِ، سُئِلَ عَنْهُمُ الملكُ الأَشْرَفُ، فَقَالَ: مَا أَقُوْلُ فِي قَوْمٍ لَمْ يُؤسَرْ أَحَدٌ مِنْهُم قَطُّ. وَعَنْ نَيْسَابُوْرِيٍّ قَالَ: أُحْصِيَ مَنْ قُتِلَ بِنَيْسَابُوْرَ، فَبلَغُوا أَزْيَدَ مِنْ خَمْسِ مائَةِ أَلْفٍ. وَمِمَّا أَبَادُوْهُ بلاَدَ فَرغَانَةَ وَهِيَ سَبْعُ مَمَالِكَ، وَمتَى التَمَسَ الشَّخْصُ رَحمتَهُم، ازدَادُوا عتوًا، وإذا اجتمعوا على خمر، أحضروا أُسَارَى وَيُمَثِّلُوْنَ بِهِم بِأَنْ يُقَطِّعُوا أَعضَاءهُم، فَكلَّمَا صَاحَ، ضَحِكُوا، نَسْأَلُ اللهَ العَافِيَةَ. وَقَدْ جُمِعَ فِيهِم مِنْ كُلِّ وَحْشٍ رَدِيءُ خُلُقِهِ.

وَقَالَ ابْنُ وَاصِلٍ: أَحصَيْتُ القَتْلَى بِمَرْوَ فَكَانُوا سَبْعَ مائَةِ أَلْفٍ.

وَفِي سَنَةِ ثَمَانِي عَشْرَةَ التقَى خوارزم شاه، وتولي بن جنكزخان فَانْهَزَمُوا، وَقُتِلَ تُولِّي، وَبلغَ الخَبَرَ أَبُوْهُ فَجُنَّ وَتنمَّرَ، وَأَسرعَ مُجِدّاً، فَالتقَاهُ خُوَارِزْم شَاه فِي شوالها، فحمل على قلب جنكزخان فَمَزَّقَهُ، وَانْهَزَمُوا لَوْلاَ كَمِينٍ لَهُم خَرَجُوا عَلَى المسلمين، فانكسروا وأسر وَلدَ جَلاَلِ الدِّيْنِ وَتَقهقَرَ إِلَى نَهْرِ السِّنْدِ فَغَرِقَ حرمُهُ، وَنجَا فِي نَحْوٍ مِنْ أَرْبَعَةِ آلاَفٍ حُفَاةً عُرَاةً لِيختفِي فِي الجِبَالِ وَالآجَامِ يَعِيْشُوْنَ مِنَ النَّهْبِ، فَحَارَبَهُ ملكٌ مِنْ مُلُوْكِ الهِنْدِ فَرمَاهُ جَلاَلُ الدِّيْنِ بِسَهْمٍ فِي فؤَادِهِ فَسَقَطَ وَتَمَزَّقَ جَيْشُهُ، وَحَازَ جَلاَلُ الدِّيْنِ الغَنَائِمَ، وَعَاشَ، فَسَارَ إِلَى سِجِسْتَان، وَبِهَا خَزَائِنُ لَهُ فَأَنفقَ فِي جندِهِ.

وَقَالَ ابْنُ وَاصِلٍ: التقَاهُم جَلاَلُ الدِّيْنِ بكَابُلَ فَهَزمَهُم، ثُمَّ فَارقَهُ شطْرُ جيشه لفتنة جرت، وفاجأه جنكزخان، فَتحَيَّرَ جَلاَلُ الدِّيْنِ، وَسَارَ إِلَى نَهْرِ السِّنْدِ، فلم يجد سفنًا تكفيهم، وضايقه جنكزخان فَالتقَاهُ حَتَّى دَامَ الحَرْبُ ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ، وَقُتِلَ خَلْقٌ مِنَ الفَرِيْقَيْنِ، وَجَاءت سُفُنٌ فَعَدَوا فِيْهَا، وَنَازلَتِ التَّتَارُ غَزْنَةَ فَاسْتبَاحوهَا.

قُلْتُ: هَذَا كُلُّهُ وَجَيْشُ مِصْرَ وَالشَّامِ فِي مُصَابِرَةِ الفِرَنْجِ بدِمْيَاطَ والأمر شديد.

ودخلت سنة تسع عشرة، فتخربت ملوك الهند على جلال الدين لأذيته لَهُم، فَاسْتنَابَ أَخَاهُ جَهَان عَلَى مَا فَتحَهُ مِنْ طَرِيْقِ الهِنْدِ، وَقصدَ العِرَاقَ، وَقَاسَى المشَاقَّ، فَتَوَصَّلَ فِي أَرْبَعَةِ آلاَفٍ مِنْهُم مَنْ هُوَ رَاكِبُ البقرِ وَالحُمُرِ فِي سَنَةِ 621 فَقَدِمَ شيرَازَ فأتاه علاء الدين أَتَابَك مُذْعِناً بِطَاعتِهِ، فَتَزَوَّجَ جَلاَلُ الدِّيْنِ بِابْنتِهِ. وَقَدِمَ أَصْبَهَانَ فَسَرَّهُم قُدومُهُ، وَكَانَ أَخُوْهُ غِيَاثُ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015