وأَجَاز لَهُ أَبُو الحُسَيْنِ اليُوْسُفِيُّ، وَعَلِيُّ بنُ عَسَاكِرَ البَطَائِحِيُّ، وَشُهْدَةُ الكَاتِبَةُ، وَطَائِفَةٌ.
وَقَدْ أَجَازَ لجَمَاعَةٍ مِنَ الأَئِمَّةِ وَالكُبَرَاءِ، فَكَانُوا يُحَدِّثُونَ عَنْهُ فِي أَيَّامِهِ، وَيَتنَافسُوْنَ فِي ذَلِكَ، وَيَتفَاخرُوْنَ بِالوَهْمِ.
وَلَمْ يَلِ الخِلاَفَةَ أَحَدٌ أَطولَ دَوْلَةٍ مِنْهُ، لكم صَاحِبَ مِصْرَ المُسْتَنْصِرَ العُبَيْدِيِّ وَلِيَ سِتِّيْنَ سَنَةً، وَكَذَا وَلِيَ الأَنْدَلُسَ النَّاصِرُ المَرْوَانِيُّ خَمْسِيْنَ سَنَةً.
كَانَ أَبُوْهُ المُسْتَضِيْءُ قَدْ تَخوَّفَ مِنْهُ، فَحَبَسَهُ، ومال إلى أخيه أبي مَنْصُوْرٍ، وَكَانَ ابْنُ العَطَّارِ وَكُبَرَاءُ الدَّوْلَةِ مَيْلُهُم إِلَى أَبِي مَنْصُوْرٍ، وَكَانَتْ حَظِيَّةُ المُسْتَضِيْءِ بَنَفْشَا وَالمَجْدُ ابْنُ الصَّاحِبِ وَطَائِفَةٌ مَعَ أَبِي العَبَّاسِ، فَلَمَّا بُوْيِعَ قُبِضَ عَلَى ابْنِ العَطَّارِ، وَأُهْلِكَ فسحب في الشوارع مَيْتاً، وَطَغَى ابْنُ الصَّاحِبِ إِلَى أَنْ قُتِلَ.
قَالَ المُوَفَّقُ عَبْدُ اللَّطِيْفِ: كَانَ النَّاصِرُ شَابّاً مَرِحاً عِنْدَهُ مَيْعَةُ الشَّبَابِ، يَشقُّ الدُّروبَ وَالأَسواقَ أَكْثَرَ اللَّيْلِ، وَالنَّاسُ يَتهيَّبُوْنَ لُقيَاهُ، وَظَهرَ الرَّفضُ بِسَبَبِ ابْنِ الصَّاحبِ ثُمَّ انْطفَأَ بِهَلاَكِه وَظهرَ التَّسَنُّنُ، ثُمَّ زَالَ، وَظَهرتِ الفُتوّةُ وَالبُندق وَالحَمام الهادي، وتفنن الناس في ذلك، ودخل في الأَجلاَّء ثُمَّ المُلُوْكُ، فَأُلْبِسَ العَادلُ وَأَوْلاَده سرَاويل الفُتوّة، وَشِهَاب الدِّيْنِ الغُوْرِيّ صَاحِب غَزْنَةَ وَالهِنْد وَالأَتَابَك سَعْد صَاحِب شيرَاز، وَتَخوّف الدِّيْوَان مِنَ السُّلْطَانِ طُغْرِيْلَ، وَجَرَتْ مَعَهُ حُرُوْبٌ وَخُطُوبٌ، ثُمَّ اسْتدعُوا خُوَارِزْمشَاه تُكُش لِحَرْبِهِ، فَالتقَاهُ عَلَى الرَّيِّ، وَاحتزَّ رَأْسَه، وَنفذه إِلَى بَغْدَادَ، ثُمَّ تَقدّمَ تُكُشُ نَحْوَ بَغْدَادَ يَطلبُ رُسُومَ السَّلطنَةِ، فَتحرّكتْ عَلَيْهِ أُمَّةُ الخَطَا، فَردّ إِلَى خُوَارِزْم وَمَاتَ. وَقَدْ خطبَ النَّاصِر بِوِلاَيَةِ العَهْد لوَلَده الأَكْبَر أَبِي نَصْرٍ، ثُمَّ ضيّق عَلَيْهِ لِما اسْتشعر مِنْهُ وَعيّن أَخَاهُ، وَأُخِذَ خطّ بِاعترَاف أَبِي نَصْرٍ بِالعجز، أفسد مَا بَيْنهُمَا النّصيْر بن مَهْدِيٍّ الوَزِيْر، وَأَفسد قُلُوْب الرَّعِيَّة وَالجُنْد عَلَى النَّاصِر وَبغّضه إِلَى المُلُوْك، وَزَادَ الفسَاد، ثُمَّ قُبِض عَلَى الوَزِيْر، وَتَمَكَّنَ بِخُرَاسَانَ خُوَارِزْمشَاه مُحَمَّدُ بنُ تَكِشّ وَتَجبّر وَاسْتَعْبَد المُلُوْك وَأَبَاد الأُمَم مِنَ التّرك وَالخَطَا، وَظلم وَعسف، وَقطع خطبَة الناصر من بلاده، ونال منه، وَقصد بَغْدَاد، وَوصل بوَادره إِلَى حُلْوَان فَأَهْلكهُم بِبَلْخَ، دَام عِشْرِيْنَ يَوْماً وَاتعظُوا بِذَلِكَ، وَجَمَعَ النَّاصِر الجَيْش، وَأَنفق الأَمْوَال، وَاسْتعدّ، فَجَاءتِ الأَخْبَار أَنَّ التّرك قَدْ حشدُوا، وَطمعُوا فِي البِلاَد، فَكرّ إِلَيْهِم وَقصدهُم فَقصدُوْهُ وَكثروهُ إِلَى أَنْ مزّقوهُ، وَبلبلُوا لُبّه وَشتّتُوا شَمله، وَملكُوا الأَقطَار، وَصَارَ أَيْنَ تَوجّه وَجد سيوفهُم متحكمَةً فِيْهِ، وَتَقَاذفتْ بِهِ البِلاَد، فَشرّق وَغرّب، وَأَنجد وَأَسهل، وَأَصحر وَأَجبل، وَالرّعب قَدْ زَلْزَلَ لُبَّهُ، فَعند ذَلِكَ قَضَى نَحْبَه.