مَوْلِدُهُ بجَزِيْرَةِ ابْنِ عُمَرَ، فِي أَحَدِ الرَّبِيْعَيْنِ، سَنَةَ أَرْبَعٍ وَأَرْبَعِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ، وَنَشَأَ بِهَا، ثُمَّ تَحَوَّلَ إِلَى المَوْصِلِ، وَسَمِعَ مِنْ: يَحْيَى بن سعدُوْنَ القُرْطُبِيِّ، وَخَطِيْبِ المَوْصِلِ، وَطَائِفَةٍ.
وَرَوَى الكُتُبَ نَازلاً، فَأَسنَدَ "صَحِيْحَ البُخَارِيِّ"، عَنِ ابْنِ سرَايَا، عَنْ أَبِي الوَقْتِ، وَ"صَحِيْحَ مُسْلِمٍ"، عَنْ أَبِي يَاسِرٍ بنِ أَبِي حَبَّةَ، عَنْ إِسْمَاعِيْلَ ابْنِ السَّمَرْقَنْدِيِّ، عَنِ التُّنْكُتِيِّ، عَنْ أَبِي الحُسَيْنِ عَبْدِ الغَافِرِ. ثُمَّ عَنِ ابْنِ سُكَيْنَةَ إِجَازَةً عَنِ الفُرَاوِيِّ، وَ"المُوَطَّأَ"، عَنِ ابْنِ سَعدُوْنَ، حَدَّثَنَا ابْنُ عَتَّابٍ، عَنِ ابْنِ مُغِيْثٍ، فَوَهِمَ، وَ"سُنَنَ أَبِي دَاوُدَ وَالتّرْمِذِيَّ" بِسَمَاعِهِ مِنِ ابْنِ سُكَيْنَةَ، وَ"سُنَنَ النَّسَائِيِّ"، أَخْبَرَنَا يَعِيْشُ بنُ صَدَقَةَ، عَنِ ابْنِ مَحْمُوَيْه.
ثُمَّ اتَّصَلَ بِالأَمِيْرِ مُجَاهِدِ الدِّيْنِ قَيْمَاز الخَادِم، إِلَى أَنْ تُوُفِّيَ مَخْدُومَهُ، فَكَتَبَ الإِنشَاءَ لِصَاحِبِ المَوْصِلِ عِزِّ الدين مسعود الأتابكي، وولي ديوان الإِنشَاءِ، وَعَظُمَ قدرُهُ، وَلَهُ اليَدُ البيضَاءُ فِي التَّرَسُّلِ، وَصَنَّفَ فِيْهِ. ثُمَّ عَرَضَ لَهُ فَالِجٌ فِي أَطرَافِهِ، وَعجِزَ عَنِ الكِتَابَةِ، وَلَزِمَ دَارَهُ، وَأَنشَأَ رِبَاطاً فِي قَرْيَة وَقَفَ عَلَيْهِ أَملاَكَهُ، وَلَهُ نَظْمٌ يَسيرٌ.
قَالَ الإِمَامُ أَبُو شَامَةَ: قرَأَ الحَدِيْثَ وَالعِلْمَ وَالأَدبَ، وَكَانَ رَئِيْساً مُشَاوَراً، صَنَّفَ "جَامِعَ الأُصُوْلِ"، وَ"النِّهَايَةَ"، وَ"شرحاً لمُسْنَدِ الشَّافِعِيِّ" وَكَانَ بِهِ نَقرسٌ، فَكَانَ يُحْمَلُ فِي مَحَفَّةٍ، قرَأَ النَّحْوَ عَلَى أَبِي مُحَمَّدٍ سَعِيْدِ ابْنِ الدَّهَّانِ، وَأَبِي الحرَمِ مَكِّيٍّ الضَّرِيرِ. إِلَى أَنْ قَالَ: وَلَمَّا حَجَّ سَمِعَ بِبَغْدَادَ مِنِ ابْنِ كُلَيْبٍ، وَحَدَّثَ، وَانتفعَ بِهِ النَّاسُ، وَكَانَ وَرِعاً، عَاقِلاً، بَهِيّاً، ذَا بِرٍّ وَإِحسَانٍ. وَأَخُوْهُ عِزُّ الدِّيْنِ عليٌّ صَاحِبُ "التَّارِيْخِ"، وَأَخُوْهُمَا الصَّاحبُ ضِيَاءُ الدِّيْنِ، مُصَنِّفُ كِتَاب المَثَلِ السَّائِرِ.
وَقَالَ ابْنُ خَلِّكَانَ: لمَجْدِ الدِّيْنِ كِتَابُ "الإِنصَافِ فِي الْجمع بَيْنَ الكَشْفِ وَالكَشَّافِ" تَفسيرَي الثَّعْلَبِيِّ وَالزَّمَخْشَرِيِّ، وَلَهُ كِتَابُ "المُصْطَفَى المُخْتَارِ فِي الأَدعيَةِ وَالأَذكَارِ"، وَكِتَابٌ لطيفٌ فِي صِنَاعَةِ الكِتَابَةِ، وَكِتَابُ "البَدِيْعِ فِي شرحِ مقدِّمَةِ ابْنِ الدَّهَّانِ"، وَلَهُ "دِيْوَانُ رَسَائِلَ".
قُلْتُ: رَوَى عَنْهُ: وَلَدُهُ؛ وَالشِّهَابُ القُوْصِيُّ، وَالإِمَامُ تَاجُ الدِّيْنِ عَبْدُ المُحْسِنِ بنُ محمد بنُ مُحَمَّدِ بنِ الحَامضِ شَيْخُ البَاجربقِيّ وَطَائِفَةٌ. وَآخِرُ مَنْ رَوَى عَنْهُ بِالإِجَازَةِ: الشَّيْخُ فَخْرُ الدين ابن البخاري.
قَالَ ابْنُ الشَّعَّارِ: كَانَ كَاتِبُ الإِنشَاءِ لدولَةِ صَاحِبِ المَوْصِلِ نُوْرِ الدِّيْنِ أَرْسَلاَن شَاه بنِ مَسْعُوْدِ بنِ مَوْدُوْدٍ، وَكَانَ حَاسِباً، كَاتِباً، ذكيّاً، إِلَى أَنْ قَالَ: وَمِنْ تَصَانِيْفِهِ كِتَابُ "الفرُوْقِ فِي الأَبنِيَةِ"، وَكِتَابُ "الأَذوَاءِ وَالذَّوَاتِ"، وَكِتَابُ "المُخْتَارِ فِي مَنَاقِبِ الأَخيَارِ"، وَ"شرحُ غَرِيْبِ الطِّوَالِ" قَالَ: وَكَانَ مِنْ أَشدِّ النَّاسِ بُخلاً.